قبل أيام، أسهم الضغط الإعلامي المكثّف على شركة «فورتونا ريكوردز» الإسرائيلية، بتراجعها عن إصدار ألبوم يضمّ أعمال فنانين عرب ولبنانيين تعود إلى حقبتَي السبعينات والثمانينات. تراجع الشركة، الذي برّرته وقتها، بأنه أتى بعد كمّ من التعليقات والاتهامات، فتح الباب واسعاً أمام قضية أخرى متصلة ألا وهي: حقوق الفنانين. بعد تصرّف «صوت الشرق» (مالكة حقوق الفنانين) ببعض أعمال زياد الرحباني، وعمر خورشيد، وإحسان المنذر (ألبوم كامل يتضمن أكثر من 14 مقطوعة) وغيرها، وبيع حقوقها إلى «فورتونا ريكوردز» بمبلغ زهيد لا يتعدّى ثلاثة آلاف دولار، سلّط الضوء أكثر على حماية الحقوق الفكرية والفنية. تساءل الكلّ كيف لشركة لبنانية أن تطبّع هكذا من دون حسيب ولا رقيب مع الإسرائيليين وتبرم عقوداً معها. الموسيقار إحسان المنذر من بين الأسماء البارزة التي وجدت نفسها مُقحمة في الألبوم المثير للجدل، إلى جانب رفضه التطبيع مع العدو رفضاً قاطعاً. هكذا، رفع دعوى قضائية ضد الشركتَين اللبنانية والإسرائيلية وخرج على الإعلام مستنكراً فعلة «صوت الشرق».
«الأخبار» قصدت الاستديو الخاص بالمنذر في منطقة «نيو روضة»، لتقف بشكل مفصّل على ما حدث أخيراً مع «صوت الشرق» و«فورتونا ريكوردز»، وعلى الخطوات التي ينوي الموسيقار اتخاذها من أجل حماية حقوقه الفكرية مع باقي الفنانين. أجواء الاستديو ما زالت عابقة بحقبة التسعينات التي تأسس فيها. على الباب، بوسترات ضخمة، توثق لوجوه فنية لبنانية وعربية، وفي الداخل، الرجل السبعيني بكامل نشاطه، يمارس مهماته الصباحية بجهد لافت. على مكتبه، جلس ليتحدث عن قرصنة أعماله، التي بدأت قبل عام 2015، على موقع «يوتيوب». وقتها، لفت نظره ـــ كما يقول لنا ـــ اسم شركة «فورتونا»، كونه إيطالي المنشأ، وهو يحمل الجنسية الإيطالية. سجل المنذر يومها اعتراضه في خانة التعليقات على الموقع، لكن القائمين عليه أجابوه بأنّ الحقوق تعود لصاحب «صوت الشرق» عبد الله شاهين، وليس له. ومنذ عام تقريباً، راسلته الشركة الإسرائيلية، بعدما بحثت عن بريده الإلكتروني الخاص، إذ أرادت إبرام عقد تجاري معه، لاستخدام مقطوعاته الموسيقية في الفيلم الهوليوودي «بيروت» (2018) للمخرج الأميركي براد أندرسون. عندما علم المنذر بأن مركز الشركة في تل أبيب، رفض التعاون معها رفضاً قاطعاً، لكنّه فوجئ لاحقاً على جنيريك الفيلم المذكور، بنسب الموسيقى إلى تعاون بين «صوت الشرق»، و«فورتونا»، من دون ذكر اسمه لا من قريب أو بعيد. ينطلق المنذر من هذه الحادثة، وقصة الألبوم الملغى، ليضيء على حكاية العقود المبرمة مع «صوت الشرق». بموجب قانون «/1999/17» (مختص بحماية الملكية الفكرية)، تعتبر هذه العقود ملغاة بحكم الزمن، بمعنى أن كل عقد لم يجّدد خلال 10 سنوات، يعتبر لاغياً. العقد بين الشركة اللبنانية والمنذر، يعود إلى أربعين عاماً، وقد تصرف شاهين على أساسه في بيع الحقوق. يذكر المنذر هنا أنّه هاتف صاحب «صوت الشرق»، ليقول له الأخير إن العقود ما زالت سارية، كاشفاً عن نيله مبلغ ألف دولار جراء بيع الحقوق لشركة «فورتونا ريكوردز»! مبلغ زهيد، أثار حزناً لدى المنذر، ودفعه إلى التساؤل: «هل نحن الفنانون «هالقد رخاص؟»». وكشف المنذر بعد رفعه دعوى «سوء أمانة واعتداء على عقد وهمي» بحق شاهين، عن وجود تحرّك مقبل في المجلس النيابي بغية تفعيل القانون المذكور مع إجراء تعديلات عليه. وسيقوم المنذر، برفقة بعض الفنانين من ضمنهم زياد وأسامة الرحباني، بمتابعة القضية، بخاصة أنّ القانون لا يراعي الحقبة الزمنية الحالية، مع عصر التكنولوجيا، واليوتيوب، أي المنصات التي باتت مساحة رحبة لتداول الموسيقى وتنزيلها وقرصنتها، إضافة إلى قضية إعطاء المؤلف الحق الحصري بحماية أعماله وصونها. ولدى سؤاله عن إمكانية «ساسيم» (جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى) حلّ قضيته مع «صوت الشرق»، أكد المنذر أنّ دور الجمعية ينحصر بدعم الفنان، وأن القضية هي «دعوى شخصية» مع شاهين تتعلق بثغر في القانون.
بعيداً عن الصراع القانوني، وضياع حقوق المؤلفين والفنانين في بلاد الأرز، يخصص المنذر جزءاً من حديثه لقضية التطبيع مع العدو الذي يحاول الدخول إلينا عبر الفن والثقافة، إلى جانب الجهود الحثيثة التي تحاول تصوير الخطاب المعادي لإسرائيل بأنّه «خشبي». ويصرّ المنذر على عروبيته، هو الذي تربى «على خطابات الزعيم العربي جمال عبد الناصر، ويضع الأمل الأكبر على أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، الذي أخذ ثأر عبد الناصر، عبر إذلال وهزيمة إسرائيل». خلال تعداده الأعمال الفنية التي قدمها لفلسطين ولقضيتها وللمقاومة، نشعر أن الرجل متمسك بهذا النهج رغم الاستسهال الحاصل اليوم، كأننا به مقاوم على طريقته.