قد يتوقع المشاهد أن شريط غسان سلهب الجديد «وردة» (72 دــــ 2019 ـــــ 4 نيسان ــ س: 21:15 ـ «متروبوليس» ـــ 5 نيسان في «مركز الصفدي») الذي يعرض في يوم مخصص للأفلام التجريبية ضمن المهرجان في بيروت، هو عبارة عن سيرة توثيقية للمفكرة والمناضلة الماركسية الراحلة روزا لوكسمبورغ. لكنه سرعان ما سيكتشف أن التوثيق الذي يقوم به الفيلم، ليس توثيقاً عادياً أو من صنف البيوغرافيا التقليدية، بل عبارة عن سفر في مجموعة قضايا، تمرّ بين ذاكرة روزا وحاضرنا. هكذا، انطلاقاً من برلين، حيث صُوّرت لقطات كثيرة من الشريط، تمشي الأحداث مما بعد حقبة «سبارتاكوس» وصولاً إلى أبطال الفيلم، أي روزا لوكسمبورغ نفسها، والعمال والمقاتلون من أجل العدالة.


كالعادة، ليس هناك «قصة قصيرة»، كما في أفلام سلهب، والحبكة معقدة، لكن يمكن تقسيم الشريط إلى ثلاث محطات بصرية رئيسة. المحطة الأولى مع المدينة، حيث نتعرّف إلى العلاقة بين المكان وأشخاصه، إلى الحديقة والقطار والجوانب الأخرى من الحيّز المكاني. المحطة الثانية مع رسائل روزا إلى العالم في زمانه، وإلى المستقبل. يركز الشريط كثيراً على الصوت، حيث تظهر أهميته في كل فقرة من الفقرات، عندما يكون الصوت صوت المفكّرة. إذ تتحدث عنها الرسائل، أو تتحدث الرسائل عن نفسها، أو عندما يكون صدى للماضي في هذا الحاضر. أما المحطة الثالثة فهي روزا وسيرة العمال والمقاتل الفلسطيني، حيث ينتصف وجهها في الشاشة، كشاهدٍ على التاريخ وصانع له.
لا حوارات في الشريط، بل إنه عبارة عن حوار طويل بين «وردة» في التاريخ، وأثرها في المستقبل. ورغم أن المشاهد اعتاد على وجود نواحٍ ميلانكولية كثيرة في أعمال سلهب السابقة، إلا أنه هذه المرة يستبدلها بسردٍ حزين في طابعه، بينما يحاول أن تكون الخاتمة مناقضة لهذا الحزن. غالبية اللقطات صوّرت في ألمانيا، ولكنه فيلم باللغتين الألمانية والعربية، وينسحب هذا التفصيل على ركيزة أساسية في عمل سلهب وهي الصوت. صوت روزا لوكسمبورغ في «وردة» يتردد في أكثر من طريقة وأكثر من مكان. وبالنسبة إلى التفاصيل الأخرى، فالشريط ليس طويلاً، لكنه ليس قصيراً أيضاً. اللقطة الأولى طويلة نسبياً، وفيها تأثر نسبي بتقنيات يحبذها عباس كيروستامي وجعفر بناهي. أما بقية اللقطات فهي مسبوغة بأسلوب غسان سلهب المعروف.

* «وردة»: 4 نيسان ــ س: 21:15 ـ «متروبوليس» (بيروت) ـــ 5 نيسان ـ س:16:00 في «مركز الصفدي الثقافي» (طرابلس)

* يوقع غسان سلهب «دي في دي» أفلامه يوم 4 نيسان (س:20:00) في «متروبوليس»