القاهرة | من المنتظر أن تشهد الأسابيع المقبلة قرارات وصفها المطّلعون على كواليس سوق الميديا في مصر بـ «الأخيرة». إذ ستنتهي عملية سيطرة النظام المصري على الإعلام بأشكاله كافة، بعدما سمح نظام مبارك بعد عام 2000 للقطاع الخاص بالمشاركة في هذا السوق التي شهدت فوضى واسعة عقب «ثورة يناير 2011». وفيما كانت المطالب دائماً هي وضع أسس لتنظيم سوق الميديا من دون أن يؤثر ذلك على مساحة الحرية التي منحها ميدان التحرير للإعلام المصري، طبّق نظام عبد الفتاح السيسي سياسة مغايرة تماماً، بحجّة أن الإعلام وقع في أخطاء عدة وأن الظرف السياسي والأمني والاقتصادي لم يعد يحتمل بقاء الوضع على ما كان عليه! وبدلاً من تنظيم السوق، كان الحلّ في قيام جهات تابعة للدولة (من خلال شركات ظهرت عام 2015) بشراء القنوات الخاصة بأقل الأسعار الممكنة وطرد رجال الأعمال والمستثمرين خارج أسوار مدينة الإنتاج الإعلامي. هذا ما حدث على مدار عامين مع أسماء بحجم نجيب ساويرس (مؤسس شبكة قنوات «أون») وأحمد أبو هشيمة (اشترى شبكة «أون» من ساويرس) ومحمد الأمين (مالك شبكة «سي. بي. سي») وأحمد بهجت (مالك قناة «دريم») والسيد البدوي (مالك شبكة «الحياة»)... وما زالت هناك أسماء أخرى تنتظر المصير نفسه مثل محمد أبو العينين (مالك قناة «صدى البلد») وحسن راتب (مالك قناة «المحور»).
بافيل ـ رومانيا

نتج عما سبق وجود كيانين تابعين للدولة المصرية، يسيطران على السوق: الأول هو «مجموعة إعلام المصريين» التي تتبع لها شبكات «أون»، «الحياة»، «سي. بي. سي»، ومحطات «راديو النيل». أما الثاني فهو «دي ميديا» التي تتبع لها شبكة «دي. إم. سي»، وقناة «الناس»، ومحطة الراديو 9090. وبينما ظن بعضهم أنّ الأمر توقف عند هذا الحد، وأنّ المنافسة ستنحصر بين الشبكتين ولو أنّ المالك واحد، وهو نظام عبد الفتاح السيسي، إلا أنّ «مجموعة إعلام المصريين» استحوذت على «دي ميديا»، لتتحول إلى ما يشبه مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري (ماسبيرو) عندما كان في أوج تأثيره قبل عام 2000، حيث كانت تنطلق منه أكثر من 20 قناة، إلى جانب المحطات الإذاعية.
نتج عن الاستحواذ الأخير الذي لم يتم الإعلان عنه رسمياً بعد، توقعات بإغلاق قناة «إكسترا نيوز»، الإخبارية المصرية الوحيدة التي تخرج من مدينة الإنتاج الإعلامي (باقي الخدمات الإخبارية داخل ماسبيرو) لحساب قناة «دي. إم. سي. نيوز» التي يتم الإعداد لإطلاقها منذ أكثر من عامين. إذ تفضل إدارة النظام الإعلامي المصري عدم تعدد الشاشات الإخبارية رغم وجود سيناريو سابق بتخصيص «إكسترا نيوز» للخدمات الإخبارية المحلية وإضفاء الطابع العربي والدولي على «دي. إم. سي. نيوز». غير أنّه من الصعب معرفة ماهية الخطة وكيفية تغيّرها، في ظل وجود حظر تام على التصريح أو الإدلاء بأي معلومات عما يجري في الكواليس. على أن يفاجأ الجمهور والصحافيون بالقرارات فور تنفيذها وليس قبل ذلك. وهو ربما ما يفسّر حالة البرود التي قابل بها المشاهد المصري المتغيرات التي شهدتها قنوات «أون. تي. في» و«الحياة» قبل أشهر لأنّ أحداً لم يعلم بها، ولم تتم حتى إقامة مؤتمر صحافي للإعلان عن المذيعين الجدد، ولا يُسمح بتوجيه النقد لمضمون البرامج التي تقدّم على هذه القنوات أياً كانت.
على خطٍّ مواز، بدأت «مجموعة إعلام المصريين» تطوير القناة الأولى ـ أقدم القنوات المصرية الحكومية على الإطلاق ـ في أول التفاتة للوضع الصعب الذي تعيشه القنوات الحكومية داخل ماسبيرو، وهو التطوير الثاني لهذه الشاشة خلال أقل من عامين. لكن التطوير الأول الذي مُني بفشل ذريع، كان تحت مسؤولية جهاز الرقابة الإدارية. في تلك الفترة، كانت مسؤولية الجهات الإعلامية موزعة بين أجهزة سيادية مصرية عدة، قبل أن تجتمع المفاتيح أخيراً في يد «إعلام المصريين». ومن المنتظر أن يعود العديد من الوجوه الغائبة إلى شاشة الأولى ضمن هذا التطوير أبرزها أماني الخياط، ويوسف الحسيني وخالد صلاح. غير أن كل ما سبق مجرد تسريبات يصفها أصحابها بالمؤكدة، لكن لا شيء رسمياً ومعلناً، خصوصاً الموعد. هل سيكون قبل رمضان أو بعده، فيما يرفع الكل حالياً شعار لا صوت يعلو فوق صوت التعديلات الدستورية التي سيتم التصويت عليها خلال الأسبوع الأخير من نيسان (أبريل). العاملون في الميديا يحبسون حالياً أنفاسهم انتظاراً لمعرفة مصير كل قناة يعملون فيها، فيما يهمس بعضهم بسؤال لا أحد يجرؤ على الإجابة عليه، وهو: إلى أي مدى قد تسهم كل تلك القرارات في استعادة الجمهور المصري الذي هجر الإعلام الخاص والحكومي على السواء، هرباً من سياسة الصوت الواحد؟