دمشق | تمثّل دقيقة الصمت طقس حداد لدى جميع الأديان والمعتقدات، وتوحّد الشعور إزاء مهابة الحدث. لكن السؤال: هل سيتمكّن مسلسل «دقيقة صمت» (سامر رضوان وشوقي الماجري ــ إنتاج «إيبلا الدولية» و «الصبّاح») من توحيد النقّاد والجمهور، وتحقيق حضور مختلف للدراما السورية وصدمة إيجابية تخلّص الجمهور من حالة الركود التي سيطرت على منتجها خلال السنوات الماضية؟ ذلك أكثر ما استحوذ على تفكيرنا أثناء طريقنا لزيارة موقع التصوير في كيوان إحدى مناطق المزّة في دمشق. رغم أننا جرّبنا مراراً الوصول إلى موقع التصوير، لكننا قوبلنا بالاعتذار إلى أن قررت شركة «الصبّاح» توجيه دعوة لمجموعة من الصحافيين السوريين كي يرافقوها في يوم عمل. في أحد البيوت المطلة على جبل قاسيون، انهمك فريق العمل بإجراء المقابلات، بينما غاب المخرج بذريعة أن لا شيء لديه كي يقوله، كما لم نجد النجم فادي صبيح. المكان بدون «عمّنا» لا يعوّل عليه، خصوصاً أنّه واحد من أبطال الحكاية. نتصل به، فيقول بأنه لم يبلّغ من شركة الإنتاج عن اللقاء مع أهل الإعلام، إلا قبل وقت قصير، لذا فضّل التغيب. مع ذلك، قرر أن يخصّ «الأخبار» بتصريح عن دوره، قائلاً: «النص يحمل جرعات عالية من الدراما المشوقة والتفاصيل الحياتية الموغلة في الواقعية، كما عهد المشاهد أعمال كاتب «الولادة من الخاصرة». بالنسبة إليّ، سألعب شخصية جديدة لرجل يعمل ميكانيكياً اسمه أبو العزم، هو صديق عمر لأمير ناصر (عابد فهد) تعرّف إليه من خلال حادثة أنقذه فيها من الموت، فيحمل أمير ناصر الفضل على كتفيه. ولاحقاً، يشكل معه ومع العميد عصام ثلاثياً رفيع المستوى يسهم في خلق الحدث وتصاعده».تفاصيل الحكاية تنطلق من شخصيتين هما أمير ناصر، وأدهم منصور (فادي أبي سمرا) اللذان يعلنان بداية الحكاية لدى الحكم عليهما بالإعدام، فيودعان السجن انتظاراً للتنفيذ. وفي ساعات الفجر الأولى من أحد الأيام، يحضر مدير السجن فجأة ويقدم لضباطه قراراً سريعاً ومفاجئاً بتنفيذ الإعدام بالسجينين. لكنّ أحداثاً غريبة تبدأ بالظهور، أولها احتراق مهجع للمساجين، وثانيهما صدور قرار سريع بتعيين مدير جديد للسجن يصل بعد ربع ساعة من وصول المدير القديم لتنفيذ الإعدام. بعدها، نكتشف أن هذه الأحداث، ما هي إلا توطئة لتهريب المحكومين خارج السجن، بواسطة سيارة المدير الجديد.

فادي ابي سمرا في مشهد من المسلسل

الورطة الكبرى التي ستودي بمدير السجن العميد محسن إلى التهلكة بدأت الآن، فهروب سجينين محكومين بالإعدام، في ليلة تنفيذ الحكم، وبأمر سريع من الجهات العليا، يعني محاكمة ميدانية، ربما يعلّق بعدها على المشنقة نفسها التي هرب السجينان منها. هذا ما سبق وشرحه لنا كاتب النص. وعن المقومات التي يمكن أن يمتلكها نصّه لجذب المشاهد، يجيب: «مسلسلي محاولة لروي حكاية ضمن شروطها الواقعية». وعن مردّ الحكاية، يشرح رضوان: «ربما أكون في منطقة آمنة، كوني أروي حكاية حدثت افتراضياً عام 2010، لكنني لن أكون آمناً إذا ربطت الحكاية بما يحدث الآن، أي إنّ لحظة التلقي هي ما يحدد الدلالات التي يحتملها المحتوى، لأن «دقيقة صمت» لا يكتمل كنص إلا لحظة العرض، وإكمال المشاهد لما يريده (هو) من رسائل». وعن الجديد في هذا الرواية التلفزيونية، يرد بأنّ هناك جواباً يتيماً يتلخص في «رغبتي بتجاوز ما قدمته سابقاً، مع إصراري على أن يكون الواقع السوري منجمي الفاتن، وأن أبقى بعيداً عن الموضة التلفزيونية، وقادراً على خلق حكايتي الخاصة التي لا تُلمس مفرداتها في أعمال الآخرين».
ورغم المحاولات الملحّة لأخذ تصريح من المخرج، إلا أنّه يصرّ قائلاً «25 عاماً وأنا أحكي، لم يعد مجدياً الأمر، دعنا نتفق بأنني كمخرج لغتي هي الصورة، وأشتغل على إعادة خلق حكاية بصيغة بصرية، لذا تصريحي سيقرأه الناس وهم يشاهدون هذا العمل». من جانبه، يفصح عابد فهد عن بعض جوانب شخصيته، فيقول: «شخصية أمير ناصر في منتصف رحلة عبثية بين الموت والحياة، وهو في طريقه إلى حتفه تنسجم معه مقولة مصائب قوم عند قوم فوائد، وقد ولّف القدر لعبته بطريقة ناجعة، خلّصته من موت محتّم! وصارت له فرصة الوجود من جديد قرب عائلته، لكنّ صراع الأقطاب يصبّ ضد هذا الرجل ويحيله وسيلةً لتصفية الحسابات على كتفيه». نلفت انتباه محدّثنا بأن ما يقوله حالة عامة ليست واضحة، فيرد: «أتقصّد هذا الأمر حتى لا أحرق شيئاً من الأحداث، إذ سيكون الجمهور أمام دراما شيّقة وممتعة، ومتصاعدة بطريقة رشيقة وغنية».
من ناحيتها، تطلّ ستيفاني صليبا بزيّها الأسود، فنعتقد بأنها تؤدي مشهد عزاء قبل أن نعرف عن فقدانها والدها.
تقوم الأحداث على أكتاف عابد فهد وفادي أبي سمرا

مع ذلك فهي تلتزم بالتصوير ولا تتردد في الحديث لنا حول دورها فتقول: «ألعب شخصية سمارة وهي فتاة واقعية، موزعة بنصف لبناني من ناحية الجنسية والأهل، ونصف سوري من جهة الهوى والانتماء والحياة في سوريا. والدتها تزوجت في الشام، فعاشت معها واستمرت في الحياة هنا بعد رحيلها. في بيت زوج والدتها، تلتقي ببطل الحكاية أمير ناصر وتنسج بينهما مجموعة من القصص، ربما تبدأ بالحب وتنتهي في أماكن أعمق بكثير إلى درجة أنها المرأة التي تقف خلفه في كلّ حالاتها». وعن طبيعية هذه الشخصية، تضيف: «الشخصية غامضة وغير مفهومة حتى بالنسبة إليّ، احتجت لفهمها الكثير من الوقت والأسئلة، على اعتبار أنها تُظهر ردود فعل غريبة في البداية، لكن لاحقاً نصل إلى قناعة تجعلنا قريبين من سلوكها». أما ماذا سينتظر الجمهور من صليبا في هذا العمل، فتقول: «تجربة خاصة جداً ومسلسل من النوع الثقيل يحتاج إلى سوية أدائية مختلفة، على الصعد كافة، بدءاً من الروح والصيغة النفسية، وصولاً إلى الشكل الخارجي! وإن كان العنوان العريض للعمل هو التشويق، فالسمة البارزة لشخصيتي هي كلّ مختلف وجديد عما قدمته سابقاً».
أندريه سكاف يلعب دور عطّاف زوج والدة سمارة وهي شخصية لا تدخل في عمق الحدث، لكن كعادته يمكن للممثل المخضرم أن يعطي للدور قيمة من خلال منطق الأداء. يقول لنا عن شخصيته: «عطّاف تزوج سيدة لديها طفلة فقام بتربيتها، هو شخص يميل للخير في العمق، لكنّه يسلك طريقاً صعباً ويعمل في التزوير. وكلما طالبته سمارة التي تكون بمثابة ابنته يعدها ثم يخلف. عند انتقالها إلى مكان مختلف لتعيش فيه، ستجابَه بظروف أكثر قسوة. تلتقي سمارة بأمير في بيته عندما يحتاج له بموضوع معين وتبدأ رحلتهما معاً في تصاعد الحدث».
أما الممثل اللبناني فادي أبي سمرا، فيقول لنا بأنه يلعب دور أدهم منصور وهو «شخصية صادمة في المسلسل. هو رفيق أمير ناصر في السجن وهما الشخصيتان المحكومتان بالإعدام. هي رحلة هاتين الشخصيتين في الحياة وتشابكاتها بعد الخروج من السجن. إنّها شخصية جذابة ونقيضة تماماً لما قدمته سابقاً في التلفزيون، وهو قوام الغواية بالنسبة إلى الممثل حتى يقدم بحماس على الأداء». وعن النص في العموم، يعلّق: «لم أستغرق سوى جلستين لقراءة العمل كاملاً، يمتاز هذا الكاتب بالغنى الهائل والربط بإحكام، إضافة إلى خلق توليفة بين مجموعة أنواع بدون ادعاءات ولا حشو».