في محطتها الثانية بعد بيروت، حلت أسطوانة «صوت» لأميمة الخليل وموسيقى مرسيل خليفة بمرافقة «كورال الفيحاء» على النبطية أول من أمس. إطلالة لإيصال الـ «صوت» إلى الذواقة في المدن أو الأرياف، ضمن جولة ستحمله إلى بعقلين ثم صيدا ثم صور ثم البقاع ثم طرابلس كان حضور أميمة الخليل الأخير في النبطية، منسجماً مع آذار. حاضرة جبل عامل تفقه جيداً صوت من غنت «أرض الجنوب»، في هذا الوقت من العام تحديداً. فصوتها كان حاضراً في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي الأول للجنوب في 14 آذار (مارس) 1978 وإحياء ليوم التضامن مع الجنوب والبقاع الغربي طوال 22 عاماً حتى التحرير، مثلما كان حاضراً للبكاء على مجزرة أطفال الباص المدرسي في يوم عيد الأم وللاحتفال بعمليات المقاومة في ساحة الحسينية وضدّ مواقع العدو في الدبشة وعلي الطاهر وسهل الميذنة. مساء السبت الفائت، عادت أميمة إلى النبطية بصوت مختلف. طفلة «عصفور طل من الشباك»، عادت بعد أربعين عاماً «واعية وراشدة» كما كتبت على غلاف أسطوانة «صوت» التي عبّأت في أغنياتها مخزوناً غنائياً وموسيقياً وشعرياً بدأ في عمر 13 عاماً مع فرقة «الميادين» لمرسيل خليفة عام 1979. قدمت الخليل عينة من «صوت» بمرافقة فرقة «كورال الفيحاء» بقيادة مؤسسها المايسترو باركيف تسلاكيان. على مسرح «ثانوية حسن كامل الصباح» في النبطية، اعتلت الخليل لتنشد مختارات من «صوت». لم تسبقها أوركسترا، بل 38 شاباً وفتاة تقمصوا أصوات الآلات الموسيقية، ليبثوا أنغام خليفة التي تنقلت بين الهارمونية الكلاسيكية والمقامات العربية. أعضاء «كورال الفيحاء» تحلقوا حول أميمة وعزفوا وأنشدوا السوبرانو والميدزو سوبرانو والآلتو والكونترآلتو والكونتر تينور والتينور والباريتون والباص. ليس مستغرباً أن تبرع الخليل في تحدي «أكابيلا» المعتمد في أغنيات الأسطوانة الـ 11. فالفن الإيطالي الذي يستغني عن مصاحبة الآلات الموسيقية ويعتمد على السوبرانو البشري، أسلوب غناء ينسب لها. ويستحضر «صوت» (2019) صوت أميمة في غنائية «أحمد العربي» التي أنشدت بعض مقاطعها من دون مصاحبة موسيقية، عندما كانت في الثامنة عشرة. مؤسس الفرقة وقائدها المايسترو باركيف تسلاكيان كشف بعض أسرار «الألبوم التاريخي الأول من نوعه الذي يستخدم التوزيعات البوليفونية في المقامات العربية وعلى طريقة الأكابيلا بالتسجيل الطبيعي والمباشر». فالأسطوانة التي بدأ التحضير لها منذ عام 2010، كانت نتاج عامين متواصلين من تدريب «كورال الفيحاء» بفروعها الثلاثة: طرابلس (تأسست في 2003) وبيروت (تأسست في 2016) والقاهرة (تأسست في 2017). نتاجها كان أداء حياً للأغنيات لأميمة والكورال في إحدى القاعات في طرابلس. تغلغلت موسيقى خليفة وتوزيع إدوار طويركيان في 11قصيدة بالفصحى واللهجة العامية لكل من محمود درويش ومنصور الرحباني وزاهي وهبي ومروان مخول وتالا حيدر وعبيدو باشا وجوزيف حرب والياس لحود ولويس خليفة ويوحنا قمير. جميع المقاطع الشعرية اختارها خليفة، باستثناء قصيدة «أن تحب» للشاعر الفلسطيني مروان مخول التي اختارتها الخليل. وهبي كان حاضراً للاحتفاء بـ «صوت» الذي ساهم فيه بقصيدته «تتبرج لأجلي» التي وضعها قبل عشرين عاماً.
ليس «صوت» عملاً نخبوياً، لا يخرج من عتبات المسارح الكبرى. أميمة النخبوية لم تغير عادتها التي صبغت معظم حياتها. «بدأت مسيرتي بالتنقل مع فرقة «الميادين» بين الأرياف وأقاصي المناطق، ليس في لبنان فقط، بل في العالم العربي حيث كان من يستضيفنا، يستغرب العناء الذي بذلناه لنأتي إليهم». أسطوانتها تكريم لذواقة الموسيقى التي ارتبطت عنوة بنمط طبقي محدد. «كورال الفيحاء تثبت قدرة الموسيقى على تخطي المناطق والطبقات. أفرادها من الفقراء واللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والنازحين السوريين الذين لم يكن بمقدور عائلاتهم أن توجههم نحو الفنون». بتتويج مسيرة الأربعين عاماً، نجحت الخليل في برهنة أنّ «الأصوات البشرية هي الأوركسترا».
مرت أميمة في «ثانوية الصباح» في النبطية بدعوة من المجلس و«جمعية التنمية للإنسان والبيئة» و«جمعية تقدم المرأة» في النبطية وجمعية «بيت المصور» في لبنان. في السابق، اعتادت أن تشدو في حديقة مقر «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» في النبطية القديمة. لكن مالك البيت التراثي القرميدي في حي الميدان استعاده. وضّب المجلس أغراضه وانتقل إلى أماكن كثيرة، يوزع عليها أنشطته واحتفالاته.