تدنو الديكتاتورية حين تتحوّل البلاد كلها إلى مرايا للزعيم. في حلقته العائدة مجدداً مساء الجمعة الماضي، بدا باسم يوسف ملمّاً بتلك الحقيقة. لم يمسّ الزعيم، بل ألقى الضوء على المرايا التي تعكس صورته في كل مكان، في الإعلام، والرياضة، والشوارع والمواصلات والحفلات وأسواق الملابس، والمطاعم ومتاجر الحلوى. من يحتاج بعد ذلك إلى تناول الزعيم ـ المرتقب ـ نفسه؟ لكن السؤال البديهي سرعان ما يطل: إلى متى يمكن الاكتفاء بالمرايا دون صاحبها؟
كانت حلقة «البرنامج» الأولى بعد عزل محمد مرسي قد تناولت النفاق الشعبي والإعلامي للفريق (الذي صار لاحقاً المشير) عبد الفتاح السيسي. الحلقة الثانية «الموقوفة» على «سي. بي. سي» لم تتطرق ـ للمفارقة ـ إلى الجنرال. الحلقة العائدة يوم الجمعة الماضي على «إم. بي. سي. مصر» تناولت مجدداً حالة الهوس الشعبي والنفاق الإعلامي. لكن الدوران حول الهدف لن يستمر إلى الأبد. رفع باسم يوسف انتقاداته في ما مضى إلى الحد الأقصى، وبلغت تلك الانتقادات ذروتها ضد مرسي. اليوم، لا يختلف الوضع السياسي ـ الأمني المتوتر فحسب، بل إنّ مصر تعيش أيضاً وضعاً غير مسبوق بوجود القوة خارج المقعد الرسمي للسلطة، الذي يحتله الرئيس الانتقالي «المهذّب» عدلي منصور. الأخير يتولى نظرياً مقاليد الحكم، وناله من «مزاح» باسم في الحلقة الأولى، قدرٌ طفيف يتناسب مع سلطته الواقعية، لكن السياسة لا ينبغي لها وحدها أن تحتكر زاوية النظر إلى باسم يوسف. لا ينبغي أن يُنسى أنه في النهاية برنامج «هزلي، ساخر، غير موضوعي وغير محايد».
في مقدمة الحلقة الجديدة، يقول من يؤدي دور «رجل الأعمال/ صاحب المحطة»: «عايزين برنامج يكون، أولاً كوميدي، وثانياً بيضحك الناس»! يقترح باسم عليه أن يكون البرنامج «هزلياً وساخراً أيضاً، يوافق رجل الأعمال، شرط أن لا تتعارض السخرية مع الكوميديا»!
هي سخرية من أصحاب المحطات اعتادها باسم يوسف، وخصوصاً في مقدمة مواسمه، وقد مرت بسلام مع «أون. تي. في»، ومع زملائه فيها وصاحبها نجيب ساويرس، ومرّت ببعض المشكلات مع «سي. بي. سي» في أول مواسمه معها، قبل أن يتوقف البرنامج لأسباب متعددة في الموسم التالي. ظاهرياً، فإنّ المحطة أوقفته لإساءته إلى «الثوابت الوطنية» و«الأسرية»، لكن الجميع يعلم أنّ قراراً بإيقاف البرنامج الذي يبيض ذهباً، لا يمكن أن يكون قراراً إدارياً محضاً من دون ضغوط. عبر شاشة «mbc»، يسخر باسم مجدداً من محطته السابقة. يعرض فيديو لسيدة تتهمه بـ «قبض 5 مليارات جنيه». يقول باسم: «لو عندي 5 مليار، لاشتريت محطة، وأقمت فيها البرنامج، وعزمت نفسي في الحلقة الأولى، ومُت من الضحك، ثم أوقفت البرنامج، وافتتحت محطة أخرى (في إشارة إلى CBC Extra)، وبكده يبقى عندي محطتين محدش بيتفرج عليهم».
إجمالاً، يمكن تقسيم حلقة باسم على نحو يختلف اختلافاً طفيفاً عن تقسيمه المعتاد إلى ثلاثة أقسام. يمكن اعتبار المقدمة (ما قبل دخول المسرح) قسماً منفصلاً، حيث الحديث الافتراضي مع رجل الأعمال، ثم الاسكتشات المتتابعة لباسم في دور المذيع الدجال والمذيع الرياضي والطباخ ثم رفيق عمرو أديب (في محاولات ساخرة للبحث عن وظيفة أخرى). القسم الثاني يمتد من الافتتاحية على المسرح إلى ما قبل فقرة الغناء (فرقة كاريوكي)، وأخيراً، يُعدّ الاستعراض الغنائي، دائماً، قسماً منفصلاً ومنتظراً في حلقات «البرنامج» برغم أنّه لا يقدم في فقرة منفصلة. كان الاستعراض هذه المرة دون المستوى، ليس فقط مقارنة بالأغنية الأصلية «لو كانوا سألونا» ثلاثي أضواء المسرح من فيلم «30 يوم في السجن» (1970)، لكن كان الاستعراض حتى أقل من تجارب شبابية أخرى اعتمدت الاستعراض نفسه مثل «ثلاثي أبعاد المسرح»، الذي قدّم الاستعراض بعنوان «يا ماما دولة يا بابا حاكم» قبل عام من تجربة باسم.
غير أنّ تألق باسم، وفريق إعداده، بقي كما كان دائماً في فقرة اصطياد اللقطات التلفزيونية. المونتاج ذكي والتعليق خفيف الظل، وكان «البطل ـ الإفيه» هو عبارة «إنسان سلبي لا إجابة ليه، إنسان غير موجود في الوجود». عبارتان عجيبتان اتهمت باسم بهما إحدى السيدات المعارضات له. عبارات حوّلها باسم إلى صوت الرد الآلي على الهاتف (الرقم الذي تحاول الاتصال به سلبي لا إجابة ليه)، ليفجر الضحكات، كما يفجرها كالمعتاد مع الاصطياد «الأبيح» للكلمات، على غرار الضيف التلفزيوني الذي اتهم باسم بأنه «يضنّ علينا بتويتة»، فيطالبه الإعلامي الساخر بأن «تبطلوا «تضنّوا» علينا انت وصحابك». تلاعب ساخر بكلمات يعدها المجتمع «عيباً»، فيرفع باسم في وجهه لافتة «للكبار فقط».

* «البرنامج» كل جمعة 22:00 على «mbc مصر»






عودة بطيئة

مع عودة باسم يوسف إلى الشاشة الصغيرة، بدأت التعليقات الإيجابية والسلبية تتوالى فور ظهوره على قناة «mbc مصر». غرّدت المغنية السورية أصالة نصري على تويتر قائلة «فوق المتوقع أكثر من عبقري، وكأنك سبقت الزمن بمئة عام يا باسم. من حقّهم (البعض) ألا يفهموك لأنك الغد البعيد». فيما رأت الممثلة المصرية آثار الحكيم أن «الحلقة كلّها كانت تقوم على السخرية من الناس الذين يحبّون المشير عبد الفتاح السيسي بشكل مبالغ فيه». بدورها، رأت الممثلة بشرى أنّ «إيقاع الحلقة كان بطيئاً على غير المتوقع»، مبدية تفاؤلها بالحلقات المقبلة.