اعتراضاً على اغتيال الروائي العراقي علاء مشذوب ليلة السبت الماضي أمام منزله في كربلاء، لا يستطيع «الاتحاد العام للأدباء والكتاب» في العراق أن يفعل أكثر من تحميل الجهات الحكومية المسؤولية واتهامها –في بيان- بالعجز عن حفظ الأمن العام، ولا يمكن لأي صحيفة عراقية أو صفحة ثقافية أن ترفع سقف الإدانة وأن تتجاوز بيانات النعي، أن تتشح بالسواد أو أن تحتجب ليوم واحد، على الأقل. رؤساء التحرير، وأغلبهم من شعراء وكتاب مثقفين، اكتفوا بكليشيهات الرثاء على صفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. لا أحد يمكنه تسمية القتلة بأسمائهم، هم وأغلب العراقيين يعرفون أن السبب الأول والأخير في إطلاق صفة جهات مجهولة على القتلة إنما من باب عدم المسّ بقدسية الدولة العميقة التي تستهدف من تشاء من كتّاب وناشطين وأكاديميين.

اغتيال المثقفين في العراق يستهدف المستقلين منهم دون غيرهم. هذه الحقيقة سرعان ما يتم الوصول إليها من خلال مراجعة قائمة الكتّاب والمثقفين الذين تم اغتيالهم في السنوات الأخيرة. أما المثقفون المحسوبون على التيارات والأحزاب السياسية، فهم يتمتعون بحصانة تصونهم من الاختطاف أو الاغتيال. هذه هي الخلاصة المريرة التي يؤكدها اغتيال الكاتب والروائي الدكتور علاء مشذوب أمام منزله في مدينة كربلاء. الذين يدّعون أن الاغتيال جاء على خلفية تدويناته على حسابه على شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك والتي انتقد فيهاً رموزاً دينية سياسية، يتهرّبون من تقديم إجابة مقنعة عن سبب استهداف صاحب رواية «جمهورية باب الخان» دون غيره من الكتّاب الذين ينشرون تدوينات أشد نقداً بأضعاف المرات مما كتبه مشذوب.
الدولة العميقة في العراق استقطبت النسبة الأكبر من المثقفين والكتّاب والأكاديميين. رواتب وحماية وامتيازات مقابل الولاء في مشهد تحكمه الصفقات بين ميليشيات الأحزاب الحاكمة من جهة، والمثقفين والأكاديميين من جهة أخرى، سيكون من الصعب أن نشهد استقالة مثقف عراقي واحد اعتراضاً على الاغتيال.
في العراق أو في أي دولة تحكمها الميليشيات، تعلن الدولة العميقة وجودها من خلال ترهيب المجتمع باغتيال الأصوات المستقلة، لا يمكن للميليشيات أن تحكم المجتمع من دون ترهيبه بين حين وآخر وإضافة ضحايا مارقين من كتاب وناشطين. هذا ما يؤكده سجل الميليشيات التي هيمنت على مفاصل الحياة في أكثر من بلد في العالم، وهذه الحقيقة هي التي تعد العراق باستمرار مسلسل الاغتيالات ورسالة القتلة من هذا المنظور: أيها العراقيون علاء المشذوب آخر الضحايا وليس أخيرهم.