أمين الباشا ـ بدون عنوان (زيت على كانفاس ـ 1994)
عشقت جدران المتاحف العربية والدولية أعماله، وحاز جوائز عديدة عربية وعالمية. فهو رمز من الرموز الأساسية في الحركة التشكيلية العربية، وتحديداً اللبنانية، وقد يصنّف أباً مؤسساً فيها من الجيل الثاني.
هو يعدّ ملهماً أيضاً لجيلٍ كاملٍ من الحداثويين بعده
وعلى يده تتلمذ معظم أساتذة الفنون التشكيلية من الرعيل الثالث إبان الحرب الأهلية اللبنانية التي أرشف تفاصيلها اليومية برسوماته. مَن خسره المحترف التشكيلي اللبناني والعربي، ليس مجرد فنانٍ مبدعٍ شغوفٍ وخلّاق، بل ملهمٌ أيضاً لجيلٍ كاملٍ من الحداثويين بعده. ويشهد التاريخ الفنيّ اللبناني وناسه على غزارة إنتاج الباشا الفني وبمختلف الوسائط ومختلف المواد، وكل الوقت، تختصرها كلمة بول شاوول في التعريف لأحد معارضه: «قلما رأيت أو تخيلت أمين الباشا لا يرسم. في المقهى، يرسم المقهى وناسه. في الشارع يرسم الشارع. في المرسم يرسم المرسم. ويرسم وهو جالس. يرسم وهو ماشٍ. يرسم وهو واقف. يرسم وهو يحادث. يرسم وهو يزور صديقاً. يرسم وهو مسافر. يرسم وهو مقيم. يرسم على كل شيء. على فنجان القهوة. على مناديل الورق. على أي علبة. على أي خرقة. على أي طاولة. على أي شيء... وفي أي وقت. وفي كل مكان. ربما يرسم أكثر مما يتنفس وأكثر مما يرى. وأكثر مما يلمس. رسمه يكاد يتجاوز حواسه، يصير أكثر من حاسة، وأكثر من غريزة، وأعمق من عادة». هذا هو مطر أمين الباشا الجميل، فهو لا يجيد سوى تأليف المواد المدهشة للعين. قد يجوز القول إنّه احترف بأعماله، فتن العيون، أخذ القلوب، وغواية المهج! فمن أراد أن يعبر إلى ضفة التجريد كان له ذلك في مجموعات كثيرة من أعماله، ومن أراد الانطباعية وجدها، ومن أراد التعبيرية كانت له. أمين الباشا كان قادراً على التنزّه بفرح بين هذه المدارس، بل أخذ الرائي معه في هذه الرحلات التشكيلية الحداثوية الدافئة قلباً والمفعمة بشذى الألوان قالباً.
عشقت جدران المتاحف العربية والدولية أعماله، وحاز جوائز عديدة عربية وعالمية
ولم تقتصر تجربة الباشا الواسعة الشاسعة على اللون والضوء، بل امتدّ إطار الشغف الابداعي إلى الحروف، فكتب. الرجل الموسوعي تشكيلياً، ترافقه موهبته في التعامل مع الريشة، بموهبة قل نظيرها مع القلم، حرفاً وكلمة. نذكر مما نشر، مسرحية «أليس» (دار نلسن)، ومسرحية «المنتحر» (دار نلسن)، ثم قصة «دقات الساعة» عن الدار نفسها... وصولاً إلى «شمس الليل» (عن كتاب العربي ــــ الكويت) ثم «بيروت أمين الباشا مائيات ورسوم 1953-2009» (الصادر باللغتين العربية والفرنسية) وغيرها من الكتابات المؤثرة! والأهم أنّ كل هذه الكتابات تترافق مع رسوماته بشكل أساسي وبنيوي. «هزمتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعها!» كتب محمود درويش، وصدق. رحل أمين الباشا، لكن فنه بقي ولن يموت!