منذ إنشائها على الفايسبوك، لعبت صفحة «الثورة السورية ضدّ بشار الأسد» دوراً محورياً، لا في الحشد والتجييش فحسب، بل في توجيه مسار الأحداث أيضاً. ورغم أنّ الصفحة كانت تتعرّض بين وقت وآخر لحملات انتقاد واسعة من قِبل المعارضين أنفسهم، غير أنّ تلك الحملات لم تتجاوز الزوابع العابرة. في هذا السياق، حاول عدد من المعارضين أمس إثارة زوبعة جديدة، استهدفت هذه المرة واحدة من الصور التي نُشرت على صفحة «الثورة السورية».
وهي صورة التُقطت داخل «مستشفى طرطوس العسكري» لتوابيت شهداء تفجير قرية الكافات التابعة لمدينة السلمية. تظهرُ في الصورة أمّ مفجوعة أمام نعش ابنها الطفل، ويجاوره نعش آخر لطالبة، وثالث لشاب. استنكر منتقدو الصورة نشرها مرفقةً بابتسامة تشفٍّ واضحة، الأمر الذي يتعارض مع «أخلاق الثورة» وفقاً للمنتقدين. تُحيلنا هذه الزوبعة إلى حالات مماثلة سابقة، طالت في بعض الأحيان قيام صفحة «الثورة السورية» بتكريس عناوين طائفية لأسماء أيام الجمعة في تقليد استمر منذ اندلاع الأزمة السورية. ورغم أن هذه الانتقادات تخلّف للوهلة الأولى شعوراً بالإيجابية عبر قيام معارضين بانتقاد السلوكيات اللاإنسانية للصفحة العتيدة، إلا أنّ تساؤلات كثيرة لا بدّ من طرحها حول الأثر الذي بإمكان هذه الانتقادات أن تلعبه بعدما «وقع الفاس بالراس». ربما كان استعراض ردود الفعل على المنتقدين كفيلاً بتقديم إجابات مفيدة. بطبيعة الحال، لم يوفّر البعض الفرصة لتكرار الشماتة والتشفّي بضحايا التفجير، ليتحوّل ما نُشر بقصد الانتقاد إلى منبر جديد لتكريس الحقد، وتبادل الشتائم والتخوينات داخل «البيت المعارض». انقسمت آراء المعلّقين على تلك الانتقادات بين مؤيّد لها، وساخر منها، ومُهاجم لها ولأصحابها. يقول أحد المعلقين مثلاً «هلأ كلكن صرتوا أصحاب أخلاق وضمير وقلب حنون»، مختتماً تعليقه بشتيمة لموجّهي الانتقادات. فيما يؤكّد آخر أنّ «صفحة الثورة السورية لا تُعبّر عن روح الثورة» على نسق عبارات «قنوات التحريض الطائفي لا تمثل الثورة» و«الفصائل المتطرّفة لا تمثّل الثورة».
اللافت أنّ معظم المعارضين المنتقدين لهذه الظواهر دأبوا بين فترة وأخرى على شنّ حملات خاطفة كهذه، وبطريقة تشبه الفواصل الإعلانية، من دون تجشم عناء التفكير في فعل حقيقي لمواجهة هذا النوع من الخطاب التجييشي والمنطلق أساساً من خلفية طائفية، ولو على صعيد التأسيس لخطاب مضاد مستمر، يقوم على أسس ممنهجة، وخصوصاً أنّ عدداً منهم أعضاء في تيارات وهيئات سياسية معارضة. تيارات اكتفت بدورها بإصدار بعض البيانات المستنكرة بين الحين والآخر، قبل أن يعاود الجميع السير على منوال واحد «الأولوية الآن لإسقاط النظام، وهذه الظواهر تتم معالجتها لاحقاً». حسناً، ليست «ثورة على صفحة الثورة» إذاً. هو فاصل ... ونواصل.