هنا شهادات جمعتها «الأخبار» من عدد من الممثلين والمخرجين الذين تتلمذوا على يد سهام ناصر، أو جمعتهم بها مشاريع على الخشبة.
فائق حميصي
كانت سهام ناصر من روّاد تغيير النمط المسرحي الذي كان سائداً بعد «ثورة السبعينات» في لبنان. كانت من أوائل المشتغلين في المسرح العبثي، وتحبّ صموئيل بيكيت (1906 ــ 1989)، كما تعتمد منهجاً تعليمياً مختلفاً استوحته من تجربتها الأميركية. لقد كانت تعرف المحتوى والهدف والوسائل والأنشطة الضرورية. الاختلاف كان بارزاً أيضاً على الخشبة وفي الكواليس.

عايدة صبرا
كانت سهام أستاذتي، ولم تكن شخصية عادية إطلاقاً، بل فذّة ومتمكّنة جداً. هذا البلد ظلمها للأسف. لا يمكن أن تأتي على سيرتها من دون أن تغلب الابتسامة وجوه الحاضرين، فهي تزرع الفرح والحيوية أينما حلّت. هي حالة استثائية، لطالما «عجنت» طلّابها لإخراج الأفضل منهم، من دون أن تبخل عليهم بأي معلومة. قلة هم الأساتذة الذين يشبهونها. أنتجت أعمالاً مسرحية من جيبها الخاص، وهذا أمر محبط للغاية. للأسف، لدينا فنانة لامعة كهذه لم تقدّر ولم تُدعم... يا عيب الشوم علينا عن جد!

مايا زبيب
سهام ناصر هي شغف المسرح في لبنان، والإيمان بأنّ الخشبة فعل حياة. شخص حقيقي إلى أبعد الحدود في علاقته بالأشياء، وفجّ في علاقته بالمسرح والحب، وهذا ما يجعلها رمزاً لماهية المسرح. بالنسبة لفرقة «زقاق»، تعدّ الراحلة جبلاً، منذ تأسيسها عام 2006. دعمتنا بشكل كبير، وآمنت بنا، ولا يمكننا أن ننسى دعمها المادي لنا بعد ذلك بسنتين لافتتاح أوّل استديو خاص بنا. لها فضل كبير علينا وعلى بيروت إجمالاً. حزن عميق ينتابنا برحيلها باكراً. لكن هكذا هي سهام؛ مليئة بالمفاجآت وتقوم بالأمور بطريقة غير متوقعة.

جوليا قصّار
إنسانة رائعة جداً. كانت لي فرصة العمل معها في مسرحية No? No Exit عام 2003. من بين أعمالها على الخشبة، لا تزال «الجيب السري» مطبوعة في ذاكرتي. أعتبر هذا العمل إبداعاً ومحطة مهمّة جداً في المسرح اللبناني. أحب طريقتها في الشغل والبحث، خصوصاً أنّها تعطي الأشياء وقتها. غادرتنا باكراً... هي علم من أعلام هذا البلد، وهي أيضاً مقاومة وجبّارة.

عمر أبي عازار
بالنسبة إلينا في فرقة «زقاق»، سهام أستاذتنا جميعاً، بطريقة مباشرة وغير مباشرة. على الرغم من «نصيحة» كثيرين لنا بالابتعاد عن المسرح بعد إنهاء دراستنا الجامعية، لم نستسلم بفضل شغفها بالمسرح وإيمانها به كأداة لتشريح المجتمع والواقع، فضلاً عن شغفها بالحياة. مع العلم بأنّ شغلها كان قائماً على تشريح عبثها. أوّل استديو افتتحته «زقاق» كان بالتعاون معها، وبفضل كرمها بكل الوسائل. هذا النوع من الأشخاص نادرون جداً في لبنان وخارجه. قبل مرضها، كانت تحرص سنوياً على إنجاز مسرحية جديدة غير تجارية، ما أوحى إلينا بأنّه ليس من الضروري تقديم أعمال ترضي الجمهور. بفضلها، صرنا مقتنعين بأنّ المسرح هو هدف بحدّ ذاته. مسرح سهام وصفوفها والجلسات الشخصية معها عبارة عن محترف دائم!

عبده شاهين
سهام ناصر، إبنة بعلبك المتمرّدة على كل أشكال القيود. إنّها شخصية متفرّدة لا يصادفها المرء دائماً في حياته. كانت لي فرصة التتلمذ على يديها، فهي من أهم وأكثر الأكاديميين الذين أفدنا منهم في «معهد الفنون» (الجامعة اللبنانية). أجمل ذكرى بالنسبة إليّ مع سهام الأستاذة المبدعة كانت عندما دخلت مرّة إلى الصف بأسلوبها غير التقليدي وراحت تُخبرنا قصّة عن والدها الثمانيني الذي ذهب إلى الحجّ. هناك، وقع أرضاً، فـ «ساعده رجل عملاق يرتدي زيّاً أبيض. حمله وأجلسه على صخرة وأعطاه ماء ليشرب». طبعاً هذا لم يحدث، ولا أدري أصلاً إن كانت القصة حقيقية، غير أنّ الوالد تراءى له أنّه شاهد هذا الرجل وكان مقتنعاً بذلك. كانت العبرة واضحة يومها: عندما يصدّق المرء أمراً، يصبح حقيقة، وبالتالي عندما يؤمن الممثل بالدور، يتقن تجسيده. سهام ناصر أحد أعمدة الحداثة في المسرح العربي، وكانت لناحية التأثير على الطلاب كما زياد الرحباني بالنسبة إلى الشارع اللبناني.

بطرس روحانا
سهام ناصر ثورية من الدرجة الأولى. يمكن القول إنّ شخصيتها ودراستها في الولايات المتحدة تليقان ببعضهما جداً، إلى درجة أنّها استطاعت في مختلف المهن المسرحية أن تكون متقدّمة ومنفتحة جداً ومحرّضة بشكل استثنائي للطلاب والأساتذة والإدارة والجمهور على كشف بواطن الشخصيات والمواقف والحركة. لم تأت سهام إلى هذا العالم لاستكمال شيء قائم أساساً، بل لتنقض وتطوّر مهنتها، سواءً لجهة التدريس أو الإخراج أو إدارة الممثلين أو السينوغرافيا أو الكتابة. سهام «طحّيشة» وقادرة على دفع كل مَن حولها باتجاه الإبداع. صحيح أنّ لبنان مليء بالمبدعين، إلا أنّها بصفتها «شابّة» أكملت من دون تراجع صوب «تسوير» المهنة. سهام محترف دائم في مكان، حتى على صعيد المناقشات في الحياة اليومية. كانت تفضّل أن تؤدي الأطر التي تعمل ضمنها إلى مساعدة الجميع على إنتاج المعرفة والجديد والقوي والجميل. ببساطة شديدة، كلّما أفقد رفيقاً أو زميلاً جديداً من هذه الخامة، أشعر بأنّ الحياة لم تعد مثيرة كما كانت عندما كانوا هنا. أنا حزين.

رئيف كرم
عندما ودّعتها في المستشفى أمس، طلبت منها إخباري «إذا في شي حلو فوق». سهام صديقة ومخرجة صلبة وفنّانة قدّمت للمسرح اللبناني والعربي ما تستحق عليه كلّ تكريم. للأسف، أدّى المرض والأوجاع المتراكمة إلى أن تغادرنا باكراً. عجزت عن المقاومة. عملت معي في مسرحيتَيْ «أطواف المسرح الأوّل» (جزئياً في الإخراج) في عام 1984، و«رصاصة طايشة» (مخرجة ثانية، ودور فعال في صياغة وتأليف النص) عام 1987، ناهيك بأعمالها المستقلّة اللافتة، على رأسها «الجيب السرّي». خسارة كبيرة ومؤلمة.