الرباط | لم تعد الثقافة، على ما يبدو، تشكل الحدث في المغرب. ما يُحدث الأثر خلال الفترة الأخيرة في البلد هو الأحداث السياسية والاجتماعية. ليست تلك الأحداث العميقة والمهمة، بل تلك العابرة والسريعة، الشبيهة بعبوة ناسفة، قد لا تقتل، لكنها تترك خلفها الكثير من الدخان. صار الناس مشغولين في المقاهي والحانات وعلى صفحات الفايسبوك وفي تطبيقات الواتساب بالأخبار السريعة، خصوصاً تلك التي تتخذ طابعاً فضائحياً، وقد صارت الأغلبية تنتظر وصولها خبراً بعد آخر كما لو أنها حقن من المورفين. أما الثقافة وأهلها في المغرب، فقد صاروا، في حمأة هذه الحياة الحديثة، وبالتدريج، شبه معزولين عن المجتمع. بل إن هذا المجتمع الذي ينتمون إليه، لم يعد ينتبه إليهم إلا حين تصدر فضيحة في وسطهم، أو يرفع أحدهم نداءَ استغاثة قبل الرحيل.
يمكن أن نسمي إجمالاً هذا العام في المغرب عام الفيديوهات المنتشرة، التي تظهر من حين إلى آخر في سلسلة طويلة، على شكل «فضائح» سياسية واجتماعية. حتى إنّ كثيرين صاروا يعتقدون أن هناك من يقف وراء إخراج هذه السلسلة حتى يلهي الناس عن مشاغلهم الحقيقية، وعن التفكير في ما يقع بين أيدي الذين يديرون دواليب هذه البلاد.
ليست هذه الصورة السيئة عن حضور الثقافة في المغرب من باب المبالغة، لكنها نقل موضوعي لما يقع في بلد أغلقت معظم مكتباته المدرسية أبوابها، وضيعت بالتالي على أكثر من جيل فرصة الدنوّ من الكتاب، وحبّ الثقافة. إن ما سبق لا يعني أن الثقافة غائبة تماماً عن الحياة العامة، لكن المفترض أنّ المغرب يحظى باستقرار أمني وسوسيو اقتصادي يخوّل له أن يكون فضاءً حقيقياً لانتعاش الثقافة بشكل أفضل.
اختتم الشاعر اللبناني وديع سعادة الموسم الثقافي بفوزه بـ «جائزة الأركَانة» التي يمنحها بيت الشعر في المغرب، والتي صارت تحظى بمكانة كبيرة بين أبرز جوائز الأدب في العالم العربي، خصوصاً أنها تمنح كل سنة لأحد كبار شعراء العالم. فقد سبق أن فاز بها في الدورات السابقة الفرنسي إيف بونفوا، والفلسطيني محمود درويش، والإسباني أنطونيو غامونيدا، والمغربيان محمد السرغيني ومحمد بنطلحة، والصيني بيي ضاو، والبرتغالي نونو جوديس، والألماني فولكر براون وغيرهم. وعلّل بيان الجائزة استحقاق سعادة بكونه «قدّم، طِيلة نِصف قرنٍ، مُنجزاً شِعريّاً متفرّداً أسْهم، بجماليتِه العالية، في إحْداث انْعطافةٍ في مسار قصِيدة النّثر العربيّة وفتْحِها على أفقٍ كوني يحْتفي بالشّخصي والإنساني والحياتي».
والحقيقة أن «بيت الشعر» في المغرب شكل منذ تأسيسه الجهة الأكثر اهتماماً بهذا الجنس الأدبي في البلاد، إذ أصدر هذه السنة عدداً من الأعمال الشعرية لشعراء من أجيال وتوجهات مختلفة، فضلاً عن لقاءات نوعية، من قبيل «الغرفة المضيئة» التي التقى فيها الشعر بالفوتوغرافيا، و«في ضيافة محمود درويش» وهي لقاءات شعرية تحيي الذكرى العاشرة على رحيل صاحب «أوراق الزيتون».
وقد انضاف لبيت الشعر فاعل جديد يعنى بالحقل ذاته، إذ نشطت هذه السنة «دار الشعر» في مراكش ومثيلتها في تطوان في تنظيم لقاءات شعرية وورشات إبداعية للأطفال والطلبة، في سياق الانتصار لجنس أدبي يضيق الخناق حوله بسبب الاهتمام الإعلامي والنقدي بأجناس أخرى. غير أن المغرب يحافظ كلّ سنة على خصيصة فريدة ربما في العالم العربي، وهي أن أعلى نسبة في الكتب الأدبية المطبوعة تكون للشعر سواء المكتوب بلغة فصحى أو دارجة.
2018 كانت أيضاً سنة انتصار للسينما، إذ ضاعفت وزراة الثقافة المبلغ المخصص لدعم المهرجانات السينمائية من 11 مليون درهم خلال سنة 2017، إلى 23 مليون درهم في سنة 2018، كما دعمت الإنتاج السينمائي الوطني بنقل المبلغ المخصص لذلك من 46 مليون درهم خلال سنة 2017، إلى 75 مليون درهم برسم سنة 2018 «بناء على برنامج دقيق وفعال، بالرغم من التراجع الحاصل على مستوى مداخيل صندوق دعم الإنتاج السينمائي».
وكعادته، كان «المهرجان الدولي للشعر» في مراكش أبرز تظاهرة هذه السنة تحتفي بالفن السابع في المغرب. فضلاً عن العروض والندوات المعتادة، شهدت ساحة جامع الفنا لقاءات مباشرة للجمهور مع نجوم السينما، لعل أبرزهم هذه السنة مارتن سكورسيزي وروبرت دي نيرو ومونيكا بيللوتشي.
وتشهد السينما المغربية عاماً بعد عام تقدماً على مستوى الحضور والمشاركات الدولية وارتفاعاً في نسب الأفلام المنتجة والمهرجانات المنظمة.
حركة جديدة عرفها المغرب هذا العام حملت اسم «فلاسفة الشارع» ظهرت مباشرة بعد التضييق الذي تعرض له عدد من فناني الشارع في مدينة الدار البيضاء، أبرزهما الموسيقيان الشابان بدر معتز ومهدي أشتاوي. إذ اعتقلا وصدر في حقهما حكم بالسجن، غير أن نداءات وتظاهرات المتعاطفين معهما ومع فنهما حالت دون التنفيذ. حركة «فلاسفة الشارع» دعت إلى لقاء تشاركي بين مختلف الفاعلين في الحقول الفنية والثقافية والحقوقية للحفاظ على فنون الشارع.
طفلة صغيرة صنعت الحدث في السنة التي نودعها، إذ فازت بالجائزة الأولى في مسابقة «تحدي القراءة» التي أقيمت في الإمارات، متفوقة على أكثر من عشرة ملايين مشارك من بلدان عربية، ويتعلق الأمر بالطفلة مريم أمجون ذات التسع سنوات، وتبلغ مجموع جوائز مسابقة القراءة ثلاثة ملايين دولار موزعة بين الفائزين ومعلميهم والمدارس التي ينتمون إليها.
يشار في النهاية إلى أن الحكومة المغربية قررت هذه السنة رفع ميزانية الثقافة بنسبة ثلاثة في المئة، وهو رقم غير كافٍ للنهوض بالثقافة في بلد تعلن خطاباته الرسمية دائماً أنه ينتمي إلى الحداثة.