القدس المحتلة | بعد الحملة الترويجية الكثيفة التي أطلقتها وسائل الإعلام الفلسطينية، في مقدّمتها تلك التابعة للسلطة، شاهد الجمهور القدسي أخيراً فيلم رشيد مشهراوي (1962) الجديد «فلسطين ستيريو» (2013) بعدما جال على مدن وقرى عدة.
الإنتاج الفلسطيني التونسي الفرنسي النرويجي الإماراتي الإيطالي السويسري الذي تجاوزت ميزانيته 1.5 مليون دولار أميركي، لم ينجح في إقناع المشاهد بمواقع كثيرة من الشريط بينها مواقع التصوير القليلة التي أعيد تركيبها مثل حاجز قلنديا الذي بدا ركيكاً لا يشبه الحاجز الحقيقي في شيء.
الفيلم الذي تدور أحداثه بين مخيم جنين ورام الله، يتحدث عن مواجهة الاحتلال والفساد. إنّها قصة الشقيقين «ميلاد» الملقّب بـ «ستيريو»، و«سامي» اللذين يقرران العمل في تأجير وتشغيل معدّات الصوت (دي دجاي) في المناسبات كوسيلة لتوفير المال للهجرة من مخيم جنين إلى كندا. الممثل محمود أبو جازي في دور الأخ الأكبر «ستيريو» صاحب فكرة الهجرة، توقف عن الغناء في الأعراس بعد استشهاد زوجته خلال قصف الاحتلال الإسرائيلي لبيته. يُقيم بعدها في خيمة قريبة من ركام البيت مع شقيقه سامي (الممثل صلاح حنون) الذي فقد حاستي السمع والنطق في القصف نفسه، وألغى مشروع الزواج من حبيبته ليلى (الممثلة ميساء عبد الهادي)، ليضمن استمرارية مشروع الهجرة.
يسير الشريط في خطيّن دراميين متوازيين بين تقديم الأخوين خدماتهما للأعراس، والمؤتمرات، والمظاهرات والمهرجانات الوطنية، وبين ليلى التي تحمل شخصيتها رمزيّة مباشرة ومستهلكة للوطن، فمنذ بداية الشريط، تحاول ليلى منع حبيبها من الهجرة... موضوع مستهلك وسهل أيضاً في طرح قضية الفلسطيني، حتى لو لم يكن صعباً توقُّع نهاية الفيلم منذ مشاهِده الأولى حين يتلقّى سامي رسالة من حبيبته، فيضعها في حقيبته من دون فتحها. تبلغ الدراما ذروتها حين يضع «ستيريو» قائمة التسعيرات لخدماته، فيجد نفسه يتاجر بالقضية، وتحديداً عندما يفكِّر في التسعيرة التي يطلبها لذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا. نجده يردّدها ثلاث مرات، مما يجعلنا نجزم بالنهاية العاطفية التي جاءت بمشهد استشهاد صديقه لينقله بسيارة الإسعاف التي يستخدمها لنقل معدّات الصوت.
بدا لافتاً استخدام تقنيات عالية في تصوير الشريط المحمّل بالرمزيّة، لكنها جاءت مستهلكة ومباشرة؛ كرفض «ستيريو» بيع أشجار الزيتون، والخيمة، والبرتقالات التي تحملها له بنت أخته في المخيم أو سيارة الإسعاف التي تحولت سيارةً خاصة بعد الانتفاضة الأولى. موضوع الفيلم أيضاً (الهجرة) جعلنا نشعر أننا نشاهد «ستيريو تايب» (صورة نمطية) لفلسطين، حيث الارتكاز الأساس على العاطفة في المعالجة الدرامية. معالجة لم تطرح أسئلة جديدة ولم نُصدِّق شخصياتها التي بدت مصطنعة بمعظمها، ربما لأنّ مشهراوي اعتمدَ على ممثلين من أصحاب التجارب، ولم يغامر مع وجوه جديدة، خصوصاً في ظلّ ندرة الممثلين الماهرين في فلسطين. هو لن يجد كل يوم فناناً مُحترفاً مثل محمد بكري يُنقذ فيلمه كما في «عيد ميلاد ليلى» (2008). الأهم أنّ «فلسطين ستيريو» بدا نسخةً مكررة عن «عيد ميلاد ليلى» مثل الكاميرا التي تتنقل في سيارة أُجرة (عيد ميلاد ليلى) أو سيارة إسعاف (فلسطين ستيريو) من دون أن تلتقط التناقضات البصريّة التي تغرق فيها رام الله العاصمة الزجاجيّة للسلطة الفلسطينية (موقع تصوير الفيلمين)، ومشهد العرس الفلسطيني الشعبي الحاضر في الفيلمين. كذلك، تحضر مسيرة مناصرة الأسرى وتركّز الكاميرا على الصور التي يحملها المتظاهرون مع الجمل الشعاراتيّة وسلوك القمع نفسه على يد الوزير الذي يجسده المغني الفلسطيني وليد عبد السلام الذي قدَّم الشخصية نفسها في العملين!
السيناريو أيضاً مليء بالحشو، والكليشيهات والشعارات كأن تقول شقيقة ستيريو «هاي الغرفة بنيناها للولد عشان يتجوَّز فيها قبل ما ينحبس سبع سنين» من دون أن نرى أي صورة لهذا الشاب في البيت كما هي العادة في البيوت الفلسطينيّة حيث تستقبلك صورة كبيرة للأسير تحمل تاريخ ميلاده واعتقاله وتفاصيل أخرى. أيضاً، استحضر المخرج صوت المروحية الذي استعان به في «عيد ميلاد ليلى» (2008) في إشارة إلى سيطرة الاحتلال وكَتمه على الأنفاس. أمّا في «فلسطين ستيريو» فكان حضور الصوت مزعجاً في كُل مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يطلق الغاز وقنابل الصوت وأحياناً الرصاص حتى وصلت المبالغة إلى استعماله في حادث سير من دون أن يكون له أي تأثير درامي على الشخصيّات. يبدو أن الدعم المالي الذي حصل عليه الفيلم أثَّر كثيراً في جودة العمل وجعل المخرج يأتي بما عنده من حواضر، فهل تكون الدول التي شاركت في الإنتاج وحضرَ لفيف من قناصلها عرض رام الله أخيراً، كفيلة بفرش السجاد الأحمر للفيلم في المهرجانات العالميّة؟




سيرة

ولد رشيد مشهراوي عام 1962 في مخيم الشاطئ في غزّة. وفي عام 1981 أخرج فيلمه التسجيلي الأول «الشركاء». وبعد خمسة أعوام، أنجز شريطه الثاني «جواز السفر». شارك فيلمه الروائي الأول «حتى إشعار آخر» في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان _ 1993»، وحصل في العام ذاته على جائزة «الهرم الذهبي» من «مهرجان القاهرة السينمائي». وعن شريطه «عيد ميلاد ليلى» (2008)، نال جائزة أفضل سيناريو مناصفةً مع فيلم آخر خلال «مهرجان القاهرة السينمائي». مشهراوي الذي أسس «مركز الإنتاج والتوزيع السينمائي» في رام الله عام 1996، أنجز حتى الآن نحو 10 أفلام أهمها «تذكرة سفر إلى القدس» (2002)، و«انتظار» (2005).