في «مركز معروف سعد الثقافي»، اختَتم أخيراً وثائقي «شعور أكبر من الحب» (ماري جرمانوس سابا ــ 2017 ــ 99 د) جولته المجانية في المناطق. قبل صيدا، مرّ في صور وحمانا وكفر رمان، باسطاً حكاياه عن انتفاضة عمّال معمل غندور ومزارعي التبغ (1972)، في محاولة لاستذكار تجربة شعبية مهمّشة أدّت في حينها إلى تعديل مواد في قانون العمل. تحلّق بعض الحضور بعد انتهاء عرض الفيلم (أول عمل تسجيلي للمخرجة ماري جرمانوس سابا) حول أحد أبطاله، رئيس لجنة إضراب عمال غندور أحمد شعلان ورفيقته العاملة والناشطة سنية سويدان (أصبحت زوجته لاحقاً)، في غياب سابا بداعي السفر. استبق الحضور تعليق البطلين. سكبوا أسئلتهم وملاحظاتهم على الفيلم: «هل تعمَّد اجتزاء الأحداث والأبطال والتركيز على شخصيات دون أخرى؟ لماذا تبنّى استشهاد فاطمة الخواجة في إحدى تظاهرات عمال غندور ونسبها إلى الحزب الشيوعي برغم تمريره رسالة صوتية لشقيقها ينفي انتساب شقيقته ذات السبعة عشر عاماً إلى أيّ حزب، فضلاً عن أنها لم تكن عاملة بل تلميذة؟ (...)». جزء من ذلك التقييم، شاع على صفحات الجرائد ووسائل التواصل الاجتماعي منذ طرح «شعور أكبر من الحب» للعرض للمرة الأولى في نيسان (أبريل) الماضي، لا سيما حول تنازع انتفاضة «غندور» بين منظمة العمل الشيوعي والحزب الشيوعي. خلال النقاش، لم يطُل حبس شعلان لتأوّهاته مستمعاً للملاحظات. للمرة الثانية، يخرج من منزله المتواضع في صور ليشاهد الفيلم الذي ظهر وزوجته في كثير من مشاهده. «جئتُ لأشاهده هنا في مكان يحمل اسم الشهيد معروف سعد. صحيح أن سابا أغفلت أشخاصاً ومحطات مؤثرة قبل وخلال وبعد إضراب غندور، لكنها تُشكر لما فعلته». تسيطر الحسرة على ملامحه وملامح زوجته التي غزتها التجاعيد. «ماري صبية وُلدت بعد إضرابنا بسنوات، وعاشت معظم حياتها خارج لبنان. مع ذلك، كانت أوّل من فكر في توثيق تحرّكات عمال غندور في بيروت ومزارعي التبغ في الجنوب. هي فعلت ما كان يجب أن تفعله أحزابنا النضالية». يتساجل شيوعيو الحزب وشيوعيو المنظمة على حراك لم يُكمل سنته الثالثة، بدأ من صفوف العمال والمزارعين من دون توجيه من الأحزاب التي لحقت به في ما بعد. أما سابا، فقد مرّرت تساؤلات عدة ظهرت كفواصل مكتوبة بين مشهد وآخر أبرزها «ماذا يمكن أن تحكي لنا أشباح احتجاجات الماضي؟».
طوال 99 دقيقة، تحاول سابا أن تحكي الكثير عبر حبيب ياغي، ومحمد الجمال، والحاجة خضرة وآخرين عن احتلال معمل الريجي في النبطية، وعبر أحمد ديراني ونادين عاقوري وشعلان وسويدان وآخرين عن إضراب غندور في فرعَي الشويفات والشياح. لا يكفيها الحديث عن ذلك فقط. تمرر المشاركة النسوية في التحركات من ضمنها العاملات الفلسطينيات في معمل غندور، وتُفرِد دقائق للحديث عن الحرب. تفرّدت بجمع أفلام بالأبيض والأسود عن النضالات العمالية كـ «أوراق الفقراء ذهبية» لكمال كريم، و«مئة يوم لوجه واحد» لكريستيان غازي، وبثت مقاطع منها بين روايات أبطالها لحكاياهم بالألوان. تتعثّر بكثافة الأشياء، فتتخبط في الانتقال من فكرة إلى أخرى حتى أغفلت الكثير. وإذ صُنِّف فيلمها وثائقياً، فإن المعلومات التي قدمها لم تكن كافية. ففي حين أفرَدت مساحة واسعة لجدلية صفة الشهيدة فاطمة الخواجة، مرت سريعاً على ذكر الشهيد يوسف العطار. النازح من جرود البقاع كان من المنظّمين لإضراب غندور وسقط في التظاهرة ذاتها التي سقطت فيها الخواجة برصاص طائش (11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1972). استشهد على وقع «من قهري ومن جوعي بدي أعمل شيوعي»، و«قولوا لأولاد الغندور العامل بالمعمل مقهور». المرور السريع للعطار قابله تغييبٌ كامل للشهيدَين نعمة درويش وحسن الحايك اللذين استشهدا في التظاهرة التي وفدت من القرى الجنوبية إلى معمل الريجي في النبطية بعد أسابيع على تظاهرة غندور.