لا يمكن للحرب مهما بلغت من قسوة أن تطيح بالكوميديا، ولعلّ التجربة المسرحية للفنان اللبناني زياد الرحباني تعدّ من أبرز النماذج الساطعة عربياً في تطويع الخراب وإحالته إلى مادة فنية تهكّمية وساخرة. إذاً، ما زالت الفرص مواتية بالنسبة إلى الكوميديا السورية لخلق نتاج راق، ولو كان ذلك بالاتكاء على السنوات السبع اللاهبة، أو من خلال التقاط المفارقات الحادة التي تسم بداية مرحلة التعافي والتبعات التي تلاحقها بسبب تراكم العشوائية والفوضى. وفقاً لذلك، سيكون نجاح كلّ مسلسل كوميدي أُنجز خلال الفترة الماضية، هو دليل داعم لصدقية هذا الكلام. يجدر أن تُطرح المسألة برمتها أمام نجمة الكوميديا السورية أمل عرفة التي سبق أن كانت شريكة أساسية في مجموعة من التجارب الكوميدية اللامعة أبرزها «عيلة 5 نجوم» (حكم البابا وهشام شربتجي) و«بقعة ضوء» (مجموعة كتّاب ومخرجين) و«دنيا1» (مجموعة كّتاب وإخراج عبد الغني بلّاط). لعل هذا التساؤل يأخذ بعداً واقعياً ليصبح على نحو: هل يعقل لصنعة خمّرتها التجارب، ولخبرة توازي السنوات التراكمية لأمل عرفة، أن تنجز مسلسلاً بمستوى «سايكو» (كتابتها بالشراكة مع زهير قنوع وإخراج كنان صيدناوي). وكم يبدو الأمر لائقاً بأن يظهر اسمها وحدها على الشارة أربع مرّات متتالية! واحدة كونها كاتبة، والثانية ممثلة، والثالثة مغنية لتتر العمل، والرابعة شريكة في الإنتاج... كلّ ذلك عدا أنها تجسّد منفردة خمس شخصيات مختلفة، بمعنى أنه لو ذكرت بجانب كل شخصية جسّدتها كان اسمها سيمرّ تسع مرّات! عموماً المثال النموذجي المحلي للعب ممثل واحد مجموعة شخصيات هو عندما لعب النجم أيمن زيدان مجموعة شخصيات متباينة بحدّة في مسلسله الكوميدي «يوميات مدير عام1» (زياد الريّس وهشام شربتجي) لكن الجوهر الحكائي برر ذلك بشكل جذري، لأننا كنا أمام مدير عام، يضطر للتنكر بشخصيات عديدة، علّه يكشف الفساد المستشري في مديريته. وقد أجاد زيدان حينها التلوين بتكنيك تمثيلي وبراعة أدائية ترفع لهما القبعة. أما في «سايكو»، فنحن أمام استعراض مجاني، ورغبة طارئة لبطلة العمل كي تلعب شخصياته الخمس، من دون مبرر منطقي أو حلول مقترحة تنسجم مع هذه الرغبة. عدا عن الشقيقتين التوأمين، لا مبرر لنجمة المسلسل بأن تلعب دور عمتيها وجدّتها ونصبح أمام «سايكو» حقيقي في مزاج التلقي، ننتقل من أمل عرفة في مشهد إلى أمل عرفة ثانية في مشهد ثان كأننا أمام حفلة تنكرية ساذجة وغير منظّمة. وقد أشرف على اختيار الأقنعة مجموعة هواة، خاصة أننا أمام شخصيات بروح أدائية واحدة، وسوية متشابهة، وأشكال منسوخة عاث بها الماكياج خراباً. وإن كان لا طائل من إعادة تدوير جوهر الحكاية عند السرد النقدي، إلا أن القصة تطرح ببساطة مستهلكة حكاية عصابة تقع في قبضة صحافية تعثر على قرص مدمج يوثق جرائمها. لا تجد تلك العصابة بديلاً عن رمي الصحافية في مشفى الأمراض العقلية للتخلص منها، فتخرج بمساعدة شقيقتها التوأم، لتفاجأ الصحافية المشاكسة بأن الـ cd قد فُقد. هنا تبدأ رحلة بحثها عنه وفق منطق بائد يستعيد من كلاسيكيات السينما المصرية الجانب المشوّش منها، ويمزجه بغوغائية مع طقوس بوليسية ساذجة، ثم يستعين بشخصية العمة «ناجية» (عرفة) التي تغني في مطاعم بيروت بين الفترة والأخرى، لتعوّض عن فجوات النص وغياب الحدث. بوصلة غنائية، يبدو وجودها مجرّد ديكور لا تنسجم ألوانه مع الشكل العام للمسلسل، إلا أن هدفه واضح هو إقحام بضعة ممثلين لبنانيين، عساه يكون ذريعة للبيع إلى محطات لبنانية. طبعاً الأداء المدرسي والنمطية والشغل البرّاني هي السمات المشتركة لغالبية الممثلين اللبنانيين الحاضرين في العمل! بعيداً عن الشخصيات الخمس وإقحام بيروت في إحدى خطوط القصة، يجرّب المسلسل كما غالبية الأعمال الكوميدية السورية الاستعانة بقدرات أيمن رضا والمقامرة بخبرته وقدرته في الارتجال، وحضوره الفعّال عند الجمهور في هذا النوع. وسرعان ما يسقط الرهان، طالما أن نجم «الانتظار» يطلّ محاصراً بمادة درامية هزيلة، فاقدة لكلّ عناصر الجاذبية، تعجز بالمطلق عن تمهيد الأرض أمامه عساه يبني كاركتراً جديداً. لذا نراه يستعين بشخصية سبق أن أدّاها في «أبو جانتي ملك التاكسي» و «سيت كاز»، لكن مع تعديلات شكلية وتطوير طفيف في مفاتيح هذه الشخصية ومنطقها، من أجل الاستكانة لما اختبره من تفاعل الشارع سابقاً. ومع ذلك ربما يتمكّن رضا في مشاهد معينة تحديداً مع الجدة «نجدت» (أمل عرفة) من انتزاعه ضحك المتابع، بمقابل جرعات افتعال مفرطة في فكرة أن تقول الجدّة كلمات بذيئة ويتم توريتها بصّوت تحذيري. أيضاً تنجز العلاقة بين خطيب الصحافية صبحي (فادي صبيح) وعامليه (طلال مارديني ويحيى بيازي) شيئاً من الخفة، والحضور اللطيف، والهضامة التي تحفظ ما تبقى من ماء الوجه لعمل، رغم كل هفواته إلا أنه يمكن مشاهدته كمن يتابع فيديو كليب لمغنية موهوبة تملك خامة رفيعة، لكّنها أصرّت على كتابة الكلام ووضع اللحن بنفسها فأنجزت أغنية متواضعة!
* «سايكو»: يومياً ــ الساعة الثامنة مساءً على قناة «لنا»