«هذا المعرض مهدى إلى جميع العاملات المهاجرات اللواتي يربين أولادنا ويطبخن طعامنا»، تقول شرف الدين في النص المرفق بمعرضها. تأخذ المصوّرة واقع نظام الكفالة والعبودية كبداية. منه تنطلق لتقلب الصورة وتبدّل علامات الرؤية. روبي تضع العود بين يديها، وتجلس على كرسي مزخرف أمام خلفية تحمل نقوش الأرابيسك. امرأة تقف بفستان أبيض قبالة مرآة مثل صور الأعراس التقليدية، أو عروض الأزياء. هانا تضع وشاحاً أزرق على رأسها كما في لوحة «فتاة ترتدي قرط اللؤلؤ» (1665) لفيرمير. أخرى تقف في وضعية تذكّر بأيقونة لمريم العذراء. ميس فيرا تجلس كسيدة أولى في قصر. خلفيات ووضعيّات تجمعها القوّة والنجومية الأنثوية بشقّها البصري كما يصوّره الإعلام والأيقونات والمجلات وأغلفة الألبومات الموسيقية، التي لطالما خضع اختيار النماذج فيها إلى حسابات طبقية وعنصرية متعلّقة بالتفضيل العرقي. ضمن هذا الإطار الفانتازي، تضع شرف الدين عشر عاملات أجنبيات خلّفن حيواتهن وراءهن وقدمن من إثيوبيا وبنغلادش وسيرلانكا والفيلبين للعمل في لبنان. ميلاني، وفيرا، وروبي، ونادين، وماهاليت وبروكتايت وأخريات، يتقمصن الصفات الشكلية لمواقع ليست مواقعهنّ في العادة. يأخذنها ولو خلال فترة التقاط الصور أمام ديكور مهيأ مع خلفيات تزيينية، وألوان، وإضاءة، وماكياج وأزياء (بشارة عطالله)، تؤدي وظيفة جمالية في البورتريهات. تلعب شرف الدين على التصوّر المسبق الذي يلغي فردية الآخر، ويمنعنا من رؤيته لأنه يكون ذائباً في كتلة واحدة. لكن حين تنتشل العاملات من موقع اختزالي، لا تظهّر فرديّتهن ورغباتهن، على رغم مشاركتهن في اختيار الخلفيات التي يفضّلنها، بل تزج بهن في موقع اختزالي آخر هو موقع السلطة بأدواتها التي تتحكّم بدورها بكيفية ظهور المرأة بشكل عام.
حين تنتشل العاملات من موقع اختزالي، لا تظهّر فرديّتهن ورغباتهن، بل تزج بهن في موقع اختزالي آخر هو موقع السلطة
على رغم جمالية البورتريهات، وكونها لحظة ضئيلة مسترقة من حياة العاملات، فإن ما يبدو طريقاً لحريّتهن لا يأتي إلا عبر منحهن تمثيلاً مثالياً يخفي شخصيّاتهن الحقيقية، أي كأنما وضعت قناعاً فوق قناع آخر. في نصّها المرفق في المعرض، توضح شرف الدين فكرتها أكثر، بتركيزها على «الصلة التي تبدو أكثر أنسنة بين العاملة والمدام» والتي تدفع بعض العاملات إلى التشبّه بالسيّدات، واستعارة سلوك الثراء بوصفه نموذجاً. تسعى شرف الدين إلى معرفة إلى أي مدى يمكن دفع الحدود بين المرأتين، لكن ضمن مفردات السلطة وتمثيلاتها النمطيّة التي تبرز بشكل أوضح لدى محاولات الدفع هذه. قد تبرر هذه الفكرة تقيّد المصوّرة بالثنائية التي تأسر صورها ضمن تنافر مباشر. إذ على رغم الاشتغال الفائض على الديكور والأزياء والتمثيل، لم تبتكر الأعمال بديلاً تحررياً للعاملات عن الأطر السلطوية الكلاسيكية. قد يكون البديل حقاً هو دخول صورهن البيوت لا عبر جوازات سفر محجوزة، بل معلّقة على جدران من سيشتري هذه القطع الفنية.
* Maidames: حتى 10 تشرين الثاني (نوفمبر) ــ «غاليري أجيال» (الحمرا ــ بيروت). للاستعلام: 01/345213