أولاً، «بهاليومَين»:
عام 1975 اندلعت حرب لبنان. بعد ذلك بعقدٍ تقريباً كتب زياد الرحباني أغنية «بهاليومين» عن شح المواد الحيوية (بما فيها الأمل) وتوقّع زوالها قريباً (بهاليومين) واقتراح بدائل أو حلول مؤقتة لها. الجزء الثاني من الأغنية هو علامة تعجّب كبيرة بخصوص البلد الذي بلغ الحضيض وما زال «ماشي». بعد ذلك بعقدٍ تقريباً، كتب الرئيس الشهيد رفيق الحريري «البلد ماشي» ولحّنها أحمد قعبور. بعد ذلك بعقدٍ تقريباً، اغتال «قتلة مارقون» الكاتب المتفائل. بعد عقدٍ تقريباً، أدرج زياد «بهاليومين» في حفلة «مهرجانات زوق مكايل» فتفاعل معها الجمهور بشكل لافت. تفاعلٌ لم يأتِ نتيجة إعجابٍ بالأغنية كعمل فنّي، بقدر ما كان تماهياً مع تشاؤمها وإحساساً بواقعية هذا التشاؤم. بعد ذلك بنصف عقدٍ تقريباً، ها هو زياد يعلن عن حفلتَين في صيدا، الليلة وغداً، بعنوان «بهاليومين»، في ظلّ أجواء اقتصادية توحي بأن عقد البلد سينفرط بـ«هاليومين»، وأكثر ما يؤشّر إلى ذلك هو التطمينات المتتالية التي تذكّر بأغنية الحريري/ قعبور.
ثانياً، «صمدوا وغلبوا»:
قبل انكفائه الكلي منذ صيف 2015، قدّم الفنان زياد الرحباني عشرات الحفلات، وكان للجنوب حصة منها، في أطراف صور لجهة الناقورة (مجمّع تيروس) وصيدا (مركز معروف سعد الثقافي). بعد عودته إلى نشاطه المعتاد، زار الجنوب محيياً حفلةً في الشقيف، واليوم يعود إلى «مركز معروف سعد الثقافي» الذي شهدت فيه الحفلات قبل أربع سنوات تفاعلاً مذهلاً من الجنوبيين ومن بضعة شبّان أتوا من غزة ورفعوا شارة النصر مع زياد على المسرح. يومها، سمعت عاصمة الجنوب تحفة جديدة بعنوان «صمدوا وغلبوا» (كلمات وألحان زياد الرحباني). برنامج الليلتَين المرتقبتَين يميل نحو الغنائي والشعبي. سنسمع من أداء فرقة كبيرة نسبياً، باقةً من قديم زياد وجديده، بين العاطفي والسياسي والاجتماعي… وسنسمع أيضاً «صمدوا وغلبوا». فيا أهل الجنوب البسطاء الطيّبين، إن أغنية «صمدوا وغلبوا» هي نشيدكم الأشد تعبيراً. فهي تساوي بينكم نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً لأن الشعب لا جنس له ولا عمر. وهي تشملكم أحزاباً وأدياناً، لأن الشعب أكبر من الأحزاب وأوضح من الأديان. وهي توحّدكم بصدق نصّها الشعريّ وجمال لحنها، لأنها تشبه الأرض التي حررتموها وتشبهكم. وهي قد تكون الأثر الوحيد الذي سيشهد على صمودكم وإنجازكم بعد مئات السنين. إمبراطورياتٌ اختفت، فكيف بالأحزاب؟ وحده الجمال يدوم، في الكلمة وأكثر منها في الموسيقى.

ثالثاً، Nuance:
بعد رجوعه من عزلته التي دامت سنتين ونصف السنة، حل زياد الرحباني ضيفاً على عددٍ من البرامج الحوارية مع إعلاميين بارزين، وتفاعل الناس مع مواقف أطلقها خلال هذه الإطلالات المتلفزة والإذاعية. المشترك بين هذه المقابلات (وآثارها) هو الشعور الدائم أنه معظم الوقت، يجهد المحاورون لاستيضاح مواقف زياد السياسية، بدليل تكرار بعض الأسئلة، واللجوء إلى الأسلوب ذاته في محاولة استصراح موقف معيّن، وأطنان من سوء التفاهم والآراء والتحليلات المتفاوتة الآتية من جيوش وسائل التواصل الاجتماعي. لماذا؟ سؤال سنحاول الإجابة عنه في مقالة مستقلّة قريباً.

* «بهاليومين...»: س: 20:30 مساء اليوم والسبت ـــــ «مركز معروف سعد الثقافي» (صيدا) ــ للاستعلام: 03749811