«على الدرب نحو العدالة»، هي الثيمة التي اختارتها الدورة الثالثة من مهرجان الأفلام «ما بقى إلا نوصل». الحدث الذي تنظّمه «مؤسسة هينرش بُل ــ مكتب الشرق الأوسط» بدعم من «متحف سرسق» ومعهد «غوته ــ لبنان» والسفارة السويسرية في لبنان، ينطلق الليلة في المتحف وسينما «متروبوليس أمبير ــ صوفيل» (الأشرفية)، ويستمر لغاية بعد غدٍ الأحد بمشاركة 14 فيلماً محلياً ودولياً (عشرة أفلام وثائقية طويلة، وثلاثة أفلام قصيرة، وفيلم روائي واحد) من السويد وألمانيا والبرازيل، والولايات المتحدة، وسويسرا وإنكلترا، وسوريا ولبنان... ستتوزّع عروضها بين المتحف والمعهد والسينما.
الافتتاح الليلة مع فيلم كارول منصور «بلا شغلة ولا عملة»

يستقدم المهرجان عادةً أفلاماً تتمحور حول قضايا حقوق الإنسان والهجرة، غير أنّ التركيز هذه السنة سيكون على عناوين عريضة، هي: «الحقوق، والاحترام، والعدالة والظلم»، تُخبرنا ألين الجميّل، مديرة البرمجة في «هينرش بُل». وتشير إلى أنّ «احترام الحقوق وإمكانية السعي إلى العدالة، عنصران أساسيان في إرساء السلام والحفاظ عليه في المجتمعات. صحيح أنّ هذا الواقع قد يتراجع في ظلّ توجّهات عالمية شاملة للحدّ من حقوق المواطنين بدلاً من توسيعها... غير أنّ الطريق ليس أحادي الاتجاه، إذ إنّ المسألة تتطلّب الكثير من الشجاعة والمثابرة في سبيل المواجهة، فيما تبقى الرغبة في تحقيق العدالة قويّة جداً». وتشير الجميّل إلى نقاشات ستُعقد مع مخرجي بعض الأفلام وشخصيّاتها الرئيسية عقب عرضها لتسليط الضوء على الثيمة الأساسية للفعالية، مشدّدة على أهمية جلسة النقاش الرئيسية (راجع الكادر) التي ستُعقد في الافتتاح تحت عنوان «أين نحن على درب العدالة؟».
الشرائط التي سيتمكّن الجمهور من مشاهدتها خلال الأيّام الثلاثة، تغطي مروحة واسعة من القضايا والانشغالات ضمن التيمة التي حددها المهرجان مثل: القوانين الأسرية التمييزية ضد المرأة كما في فيلم «العائلة أساس المساواة» (الولايات المتحدة ـ إخراج ديب برجرون»)، والإتجار بالبشر كما في فيلم «حتى عندما أقع» (نيبال/ المملكة المتحدة ـ إخراج سكاي نيل وكايت مكلارنون)، وظروف السجن غير الإنسانية كما في وثائقي «رجال أجرار» (سويسرا ـ إخراج فريديريك ويدمان) الذي يتابع سجيناً ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بحقه.
التركيز هذه السنة سيكون على الحقوق والاحترام

هناك أيضاً مشاركات لبنانية متعددة، من بينها «إمبراطور النمسا» (سليم مراد) الذي يضيء على البنية الذكورية في المجتمع اللبناني وتعقيداته المختلفة، فيما يفتتح المهرجان اليوم مع فيلم كارول منصور «بلا شغلة، ولا عملة» (لبنان ـ 2018 ـ راجع الكادر) الذي يضيء على زاوية جديدة من أزمة اللجوء السورية. لكن الملفت أنّ بلداً يختصر بمعاناته كل أشكال الظلم واللاعدالة على هذا الكوكب لم يحضر في المهرجان. إذ تغيب المشاركات التي تتعلق بالقضية الفلسطينية عن البرمجة في مقابل حضور سوري «انتقائي»، فمجمل الأفلام التي تقارب الأزمة السورية، تقدم وجهة نظر أحادية للصراع. يوماً بعد يوم، تتعزّز فكرة استخدام السفارات للثقافة كأداة لتنفيذ أجندة سياسية، إلى جانب استغلالها قضايا نبيلة كالهجرة واللجوء والحروب الأهلية والانسلاخ عن الوطن... من أجل الترويج لاستراتيجيّة لا علاقة لها بالشعوب، بقدر ما ترتبط بمصالح الديمقراطيات الاستعماريّة. أخيراً، كنّا نتمنى على إدارة المهرجان و«مؤسسة هينرش بُل ــ مكتب الشرق الأوسط» أن يهديا هذه الدورة إلى الصحافي السعودي جمال خاشقجي!

* «ما بقى إلا نوصل ــ على الدرب نحو العدالة»: من اليوم لغاية 14 تشرين الأوّل (أكتوبر) الحالي ــ «متحف سرسق» (الأشرفية ــ01/202001) ومعهد «غوته ــ لبنان» (الجميزة ــ 01/570131) و«سينما ميتروبوليس أمبير ــ صوفيل» (الأشرفية ــ 01/204080). الدخول مجاني.



نقاش «نحو العدالة»؟
على هامش عروض الأفلام، تتخلّل الافتتاحَ في «متحف سرسق»، عند السابعة من مساء اليوم جلسة نقاش بعنوان «أين نحن على الدرب نحو العدالة؟». سؤال سيكون محور نقاش (بالعربية والإسبانية والإنكليزية مع ترجمة فورية) بين «شاتو» إحدى شخصيات الوثائقي الإسباني «صمت الآخرين» (95 د ــ إخراج ألمودينا كاراسيدو ــ يُعرض غداً في «متروبوليس أمبير صوفيل» ــ 19:00) الذي يسلّط الضوء على نضالات ضحايا نظام فرانكو، والسوري عبد الله الكفري مدير مؤسسة «اتجاهات ــ ثقافة مستقلة» المعنية «بالفنون والثقافة في سوريا»، بالإضافة إلى أنطونيا كلاين من «المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان»، وديانا أبو عباس مديرة مركز «مرسى» في لبنان المتخصّص في الصحة الجنسية. أما تسيير النقاش، فهو مهمّة ستتولّاها نايلة جعجع، المحامية والمستشارة القانونية والناشطة والعضو في مجموعة «لبلدي».
علماً بأنّ «مؤسسة هينرش بُل ــ مكتب الشرق الأوسط» حرصت على التذكير بأنّ عبد الله الكفري هو مخرج مسرحية «الاعتراف» التي كتبها السوري وائل قدور، وأنتجها «الصندوق العربي للثقافة والفنون» و«مؤسسة المورد الثقافي» بالتعاون مع KKV ضمن «مهرجان ريد زون». تدور أحداثها حول الضابط «جلال» الذي يتخلّى النظام الحاكم عن خدماته خلال سنوات استقرار الحكم، ثم يطلب منه العودة للخدمة بعد اندلاع حراك شعبي في البلاد. وتجدر الإشارة إلى أنّه قبل انطلاق العروض بعد غدٍ الأحد عند الخامسة بعد الظهر، ستكون هناك حصّة لعروض أفلام قصيرة من إنتاج «المفكرة القانونية»، تدعو من خلالها إلى مناصرة حقوق الإنسان وتبيان أنّ إشراك الشأن العام في هذا النوع من القضايا يحدث فرقاً في حالات معيّنة. والأفلام هي: «القضاء» (1/4 د)، و«عمالة الأطفال في الزراعة» (2:30 د)، و«مناطق الموت» (1:15 د)، و «إلغاء المادة 534» (1:45 د).


كارول منصور: رجال في محطة... اللجوء
في الموعد الافتتاحي اليوم، يُبصر فيلم وثائقي جديد لكارول منصور النور تحت عنوان «بلا شغلة ولا عملة» (45 د)، إذ يُعرض في «متروبوليس أمبير صوفيل» عند الساعة التاسعة مساءً، تليه جلسة أسئلة وأجوبة مع المخرجة اللبنانية لمدّة نصف ساعة. يسلّط الشريط الجديد الضوء على التأثيرات النفسية والاجتماعية التي تتركها الحرب والنزوح على الرجال، وما يسبّبه ذلك من تغيير في أنماط علاقتهم مع أفراد أسرتهم. اشتغلت كارول على العمل بالشراكة مع منى خالدي التي أجرت عمليات البحث. في اتصال مع «الأخبار»، توضح منصور أنّ فكرة الفيلم الجديد وُلدت قبل أربع سنوات بعد إنجاز «نحن مو هيك» (75 د ــ 2013) الذي تمحور حول اللاجئات السوريات في لبنان. «أردنا طرح الموضوع من زاوية الرجال، واقترحنا الفكرة على «مؤسسة هينرش بُل ــ مكتب الشرق الأوسط»، إلا أنّها لم تحظَ بموافقة في حينها، قبل أن تعيد التواصل معنا العام الماضي بخصوص الموضوع وتنطلق عجلة العمل»، تقول كارول. استغرق تنفيذ المشروع نحو عام، جالت فيه الكاميرا على لاجئين سوريين في البقاع وبيروت والجنوب، في محاولة لإلقاء الضوء على واقعهم، ولا سيّما «أنّنا لا نعرف الكثير عن الرجال في أوضاع اللجوء، فيما تتركّز المساعدات على النساء والأطفال».
يعدّ العمل الجديد استكمالاً لما بدأته منصور في «نحن مو هيك»، ثم في «لا سبيل إلى العودة الآن يا صديقي» (42 د ــ 2014) الذي يصوّر معاناة اللاجئ الفلسطيني السوري ورحلة تهجيره على مدى عقد من الزمن، وبعدها في «خيوط السرد» (78 د ــ 2017) الذي ضم 12 فلسطينية آتيات من مجالات مختلفة تحدّثن عن حيواتهنّ قبل الشتات وعن الذكريات والهوية. هنا، تلفت المخرجة إلى أنّها لم تتقصّد الانصراف إلى معاناة اللاجئين/ات، فهي ترمي إلى «الإضاءة على المشاكل، سواء في لبنان أو خارجه… وإبراز الصعوبات المتعلقة بانعدام الحقوق على مختلف أشكالها… أتناول أي موضوع يصبّ في هذه الخانة».
«بلا شغلة ولا عملة»: اليوم ـ س:21:00 مساء ــ«متروبوليس أمبير صوفيل»