دينا هارون تترك الأربعين بكامل مشمشها

  • 0
  • ض
  • ض
دينا هارون تترك الأربعين  بكامل مشمشها

قبل أكثر من عشر سنوات عندما كانت الشام ما زالت وادعة، قصدنا تجمّع البنايات البرجية البيضاء في حيّ برزة السكني. كان علينا أن نسأل عن المنزل الذي نبغي الوصول إليه. لكن سؤالنا قوبل باستغراب، على اعتبار أن المنطقة كانت مؤهلة لأن تكون واحداً من الأماكن الراقية حول دمشق وقد سيّجتها آنذاك طقوس «بريستيج» خاص. على أيّ حال، وصلنا إلى هدفنا بعد جهد، وجلسنا ننتظر برفقة والدة مضيفتنا، حتى أتانا اتصال منها تعتذر عن عدم حضور اللقاء الصحافي، طالبةً أن نوجّه الأسئلة إلى أمّها كونها تعرفها أكثر من نفسها! هكذا، مررت النجمة دينا هارون (1979 ــ 2018) مقلبها علينا في لقائنا الأوّل معها، قبل أن تخرج من مخبئها، تسبقها ضحكتها الرنانة ومرح روحها العميق، لتخبرنا بأنها تهوى كسر الرسميات لكل من يزورها في بيتها بهذه الطريقة، وتغويها لعبة مناكفة الصحافة والشغل بها كما تشتغل هي بالناس! كأنها كانت تريد زرع ذكرى يمكن استعادة تفاصيلها الدقيقة يوم رحيلها أمس بعد معاناة مع المرض! يختصر هذا التفصيل البسيط جوهر حياة الممثلة السورية صاحبة الحضور الأنثوي الطاغي، ويكثّف دلالاته على حجم نهمها للحياة، وإقبالها المفرط تجاهها، ورغبتها بأن تنهل من رحلة قصيرة في العموم، فكيف يمكن أن تكون بالنسبة إلى سيدة لم يتح لقدمها أن تطأ أبعد من عتبة الأربعين؟ رغم قصره، كان مشوارها غنياً وسلساً وبعيداً عن الدراماتيكية، وكانت واحدة من الوجوه اللامعة بجمالها على الشاشة السورية. مثل الكثير من زميلاتها، انطلقت الراحلة من مختبر «مرايا» (1982) المسلسل الذي يديره الكوميديان السوري القدير ياسر العظمة، وقد تحوّل العمل عبر زمن طويل لما يشبه منصة أداء تزيح الستار عن مواهب عديدة، وترفد الصناعة السورية الأبرز بطاقات شبابية. بعدها، انطلقت هارون لأداء عشرات الأدوار التلفزيونية بخط مختلف، ومسار بعيد عما تنجزه شقيقتها النجمة تولاي هارون. لعبت عدداً من الأدوار المهمة في مسلسلات مختلفة وأمام عدسات عدد كبير من المخرجين السوريين مثل: «أشواك ناعمة» (رشا شربتجي) و «وحوش وسبايا» (ناجي طعمي) و «سقف العالم» (نجدت أنزور) و«رجل الانقلابات» (سامي الجنادي) و«الخط الأحمر» (يوسف رزق) و«طريق النحل» (أحمد إبراهيم أحمد) و«قاع المدينة» (سمير حسين) و«تعب المشوار» (سيف الدين السبيعي) إضافة إلى وقوفها كشريكة ندية مع الممثل المخضرم رشيد عسّاف في «الغدر» (عن رواية «بائعة الخبز» ـ إخراج بسّام سعد). في السنوات الأخيرة، انكفأت عن التمثيل والشهرة، لصالح زواجها وإنجاب طفلها الوحيد. ومن أواخر ما قدمته دورها في مسلسل «الحب كلّه» (مجموعة كتّاب ومخرجين 2014) لتنتشر قبل أيام أخبار عن إصابتها بمرض خطير، ما دفع شقيقتها تولاي هارون إلى الخروج عن صمتها، موضحةً أن أختها تعاني مشاكل في الأمعاء وأخرى في التنفّس، وهو ما استدعى نقلها إلى العناية المشددة في «مشفى الأسد الجامعي» في دمشق. إلا أنّ بعد ظهر أمس، اشتعل الفايسبوك بجمل العزاء في ممثلة خطفها الموت في ريعان شبابها وعطائها، فيما سيودع السوريون اليوم دينا هارون في رحلتها الأخيرة إلى اللاذقية حيث ستتم الصلاة عليها وتوارى ثرى مقابر العائلة.

0 تعليق

التعليقات