وسط حضور فني وإعلامي كبيرين، انطلقت قبل أيام فعاليات الدورة الثانية من «مهرجان الجونة السينمائي الدولي»، الذي ارتبط اسمه باسمي مؤسسيه، الأخوين المليارديرين، نجيب وسميح ساويرس، واكتسب اسمه من القرية السياحية الهائلة التي تقع على بعد كيلومترات من مدينة الغردقة، على ساحل البحر الأحمر (جنوب شرق مصر).المهرجان الذي ولد العام الماضي خلال الفترة نفسها تقريباً، أحدث دوياً بسبب فخامته غير المسبوقة بالنسبة إلى مهرجان مصري. إذ يقال إنّ ميزانيته تخطت الـ 50 مليون دولار، من إقامة وانتقالات فاخرة لمئات الضيوف من مصر وأنحاء العالم، وجوائز كبيرة وبرنامج دعم مشاريع أفلام، وبرنامج أفلام حديثة متميزة وضيوف مشهورين، مثل عادل إمام، ويسرا، وفورست ويتيكر وأوليفر ستون وغيرهم. منذ الليلة الأولى لدورته الأولى، حقق «الجونة» نوعاً من الإبهار. ذكّر الحاضرين المخضرمين في المهرجانات السينمائية العربية بالدورات الأولى من مهرجانات «دبي» و«ابو ظبي» و«مراكش». وقد بدا واضحاً أن «الجونة» مهرجان طموح، وأصحابه على استعداد لتسديد ثمن هذا الطموح. لكن البدايات الكبيرة تحمل معها دائماً مخاطرات كبيرة، أكبرها هو الحفاظ على هذه المكانة، بل تحقيق مزيد من الأشياء كل مرة، وهو أمر مرهق لأي فريق عمل وأي إمكانيات مادية متاحة، خاصة أن آل ساويرس رجال أعمال يدركون تماماً أن المشروع الذي لا يحقق مكاسب تعادل التكاليف لا يمكن أن يكتب له البقاء، وهو الخطأ الذي وقعت فيه مشاريع «ملكية» كثيرة.
في الدورة الثانية، يبدو واضحاً أن إدارة «مهرجان الجونة» تسعى لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعية، من خلال حجم إنفاق أقل وأكثر توازناً، وقبل هذا إشراك أكبر عدد ممكن من الرعاة والداعمين لتحمل نفقات المهرجان، لأنه ليس من المنطقي أن يقوم فرد أو عائلة واحدة بتمويل مشروع ثقافي خيري بهذه الضخامة، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا أن المطلوب من المهرجان أن يواصل النمو وأن يصبح فعلياً على خريطة المهرجانات الكبرى في العالم.
بجانب الشركاء والرعاة الذين انضموا إلى المهرجان هذا العام، هناك مساندة واضحة من الدولة. في العام الماضي، كانت الدولة ممثلة في وزارات الثقافة والسياحة والداخلية ومحافظة البحر الأحمر ضيفة شرف أكثر منها شريكة. لكن بعد النجاح الذي حققته الدورة الأولى، كان طبيعياً أن تسعى مؤسسات الدولة لأن يكون لها دور أكبر، حتى لو ظل هذا الدور «شرفياً» و«إشرافياً» فقط، من غير تحمل نفقات.
في دورته الثانية التي تستمر حتى التاسع والعشرين من أيلول (سبتمبر)، يعرض «الجونة» عدداً من أبرز الأفلام التي حصلت على جوائز المهرجانات الدولية خلال النصف الأول من العام في أقسامه المختلفة الروائي الطويل والوثائقي والقصير، بإجمالي 80 فيلماً بزيادة عشرة أفلام عن العام الماضي، وزيادة يوم عاشر على فعاليات المهرجان، وزيادة ملحوظة في ميزانية «منصة الجونة» المخصصة لدعم المشاريع الجديدة. كما يواصل تكريم نجوم مصريين وعرب وأجانب مشهورين، منهم المصري داود عبد السيد، والتونسية درة بوشوشة.
يراهن المهرجان على تحقيق إنجازات بصيغة «أفعل التفضيل» على الطريقة الخليجية: أول عرض عالمي، أول عرض إقليمي، أكبر جائزة، أكثر عدد من النجوم... كما يسعى للتواجد على الساحة العالمية من خلال دعوة إعلاميين مشهورين من أول محرري مجلة «فارايتي» والتلفزيون الفرنسي إلى المذيعة اللبنانية ريا أبي راشد التي قدمت احتفال الافتتاح.
مشكلة «الجونة» الوحيدة ستظلّ ربما أن المكان الذي يقام فيه أشبه بجزيرة منعزلة، لا يدخلها سوى عدد قليل من «علية القوم». والطموح يظل أن يستطيع المهرجان بعد سنوات أن يحقق نوعاً من الـ visibility أي وصول الأفلام المعروضة والفعاليات المنصوبة لأكبر عدد من الناس، من خلال تحول «مدينة الجونة» إلى مقصد سنوي لعشاق السينما داخل مصر خلال فترة انعقاد المهرجان، أو ربما خروج المهرجان إلى الغردقة والمناطق المجاورة. حجم الإقبال الجماهيري الذي ستشهده الدورة الثانية يمكن أن يكون مؤشراً جيداً ما إذا كان «الجونة» سيصبح مهرجاناً للناس، أم سيظل فعالية مغلقة للصفوة وضيوفهم من أهل السينما والإعلام؟!