قبل 25 عاماً، فاجأ مارون بغدادي الجميع برحيله بعدما سقط في منور درج «بناية سماحة» في التباريس ونزف حتى الموت. هكذا، انتهت مسيرة وجيزة في تاريخ السينما اللبنانية، بوفاة أحد روّادها الذين ولّدوا أملاً بانطلاق صناعة حقيقية للفن السابع في لبنان. أربعة أفلام من مكتبة السينمائي الشهير، ستحجز مكاناً لها خلال الشهر الجاري في المدينة التي أحبّها، وعرفها جيّداً، وصوّرها في مراحل مختلفة، وتنبّه باكراً إلى قدوم الحرب الأهلية إليها في باكورته الروائية «بيروت يا بيروت». لقد تضمّن هذا الشريط نظرة استشرافية لمستقبل البلاد، واعتبره النقّاد جرس الإنذار الأوّل لاشتعال النيران التي فتكت بلبنان على مدى 15 عاماً.
ضمن «ثلاثاء الأفلام»، تخصّص «دار النمر للفن والثقافة» شهر أيلول (سبتمبر) لمارون بغدادي، بالتعاون مع «نادي لكل الناس»، الحريص منذ سنوات على استعادة وتوثيق وجمع أرشيفه في سياق جهود حثيثة وشاقة يبذلها النادي الذي تأسس عام 1998 في سبيل «حماية الإنتاجات الفنية اللبنانية والعربية، والترويج لها ونشرها».
لا تنفصل عروض الأفلام الأربعة عن الأجواء السائدة في «دار النمر» في ظلّ معرض «جوزيف كوديلكا: الجدار/ بيروت» الذي تنظّمه بالتعاون مع وكالة «ماغنوم» العالمية للصور. هذا ما تؤكده مديرتها رشا صلاح في اتصال مع «الأخبار». بين 12 أيلول (سبتمبر) الجاري و22 كانون الأوّل (ديسمبر) المقبل، سيشاهد الزوّار سلسلة موسّعة من الصور التي التقطها المصوّر التشيكي الشهير، والمنقسمة إلى مجموعتين. الأوّلى بعنوان «الجدار»، وتحتوي على صور فوتوغرافيّة بانورامية تشكّل مجتمعة نسخة عن جدار الفصل العنصري، صوّرها كوديلكا خلال رحلاته إلى فلسطين المحتلة بين عامي 2008 و2012. أما الثانية، فتحمل اسم «بيروت» وتمثّل نهاية الحرب الأهلية اللبنانية ومركز العاصمة المدمَّر في عام 1991.
في هذا السياق، توضح صلاح أنّه «نحرص على أن تكون برامج العروض مرتبطة مع معرضنا الأساسي، من أجل التعمّق في المواضيع التي نطرحها». وقوع الاختيار على مارون لم يكن عبثياً، فهو «ابن الحرب، وأكثر مَن عرف تجسيدها، كما أظهر سخافتها في معظم الأحيان… أي إلى أي مدى يمكن أن يكون الانزلاق إليها سهلاً وأن تنطلق من لا شيء. للأسف حروبنا الداخلية في المنطقة كلّها تندرج في هذه الخانة».
وتوضح رشا أنّ تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، سيخصّص لجوسلين صعب، فيما ستركّز شرائط تشرين الأوّل (أكتوبر) وكانون الأوّل (ديسمبر) على فلسطين، على أن يُعلن عن العناوين المختارة قريباً.
غير أنّ انطلاقة شهر مارون بغدادي لن تكون عادية، إذ ستُعلن ثريا خوري مع مدير «نادي لكل الناس»، نجا الأشقر، عن الحصول على «ثلاثة أفلام وثائقية جديدة لبغدادي»، تم العثور عليها في «معهد LTC السينمائي في باريس، بعد رحلة مفاوضات دامت لأكثر من عام ونصف العام»، وفق ما يؤكد الأشقر لـ «الأخبار». ويوضح الأخير أنّ مارون وضع الشرائط في المعهد بين عامي 1978 و1982، و«عثرنا في المحصّلة على 350 بكرة نيغاتيف لأفلام كثيرة، من بينها النسخ الأساسية من «حروب صغيرة» و«همسات». أما بالنسبة إلى الوثائقيات الثلاثة غير المُشاهدة من قبل، فأحدها هو «الجنوب» (94) الذي يصوّر الحياة في هذه المنطقة اللبنانية في نهاية السبعينيات، وهو النسخة الكاملة من فيلم «كلنا للوطن» (1979) الذي عمل عليه مع الروائي اللبناني حسن داوود. كما استخدمت بعض مشاهده لإنجاز شرائط عدّة عن الجنوب، منها: «أجمل الأمّهات» (1978)، و«حكاية قرية وحرب» (1979).
ولعلّ أبرز الموجودات، هو فيلم «تسعون» (حوالي 60 د ــ 1980) الذي يسلّط فيه بغدادي الضوء على حياة الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة (1889 ــ 1988)، في الذكرى التسعين لميلاده. هنا، تفاصيل لافتة عن نعيمة، وعلاقته بجبران خليل جبران (1883 ــ 1931)، وبالله، والتقمّص… فضلاً عن فيلم قصير حول جريدة «السفير».
وعمّا إذا كان الجمهور سيتمكّن من رؤية هذه الأعمال، يعدنا نجا الأشقر بأنّه «سنعالج كلما استطعنا الاستحصال عليه، وسنعمد إلى رقمنة النسخ النهائية، على أن يتم عرضها قريباً، وإضافتها إلى أرشيف مارون».