القاهرة | خلال شهر واحد فقط، أُغلقت محطة إذاعية انطلقت مطلع العام الجاري هي DRN، وقناة «العاصمة» التي كان يُفترض إعادة تأهيلها لتكون صوت الدولة لدى الطبقة الدنيا أو «كلاس C» كما تصنف هذه الطبقة في بحوث المشاهدة. هكذا، فقد قرابة 220 مذيعاً ومخرجاً وفنياً وظائفهم في قرار غير معلن مسبقاً. هذه المحطات كانت ملكاً لشركات خاصة مؤيدة للدولة، لكن الخطة المتبعة منذ قرابة ثلاثة أعوام هي الاستحواذ على تلك النوافذ الإعلامية بشكل مباشر، وعدم ترك الإدارة في يد رجال الأعمال. في البداية، قام كل جهاز في الدولة المصرية بالاستحواذ أو المشاركة في مجموعة محطات. الأجهزة الثلاثة هي المخابرات العامة، المخابرات الحربية، الأمن الوطني، لكن لاحقاً نجحت رئاسة الجمهورية في توحيد القيادة للنوافذ الإعلامية. محطة DRN على سبيل المثال، أُعلن عنها في تموز (يوليو) 2017 لتكون مع قناة «الحياة» وقناة «العاصمة» بمثابة شبكة تابعة بشكل غير مباشر لجهاز الأمن الوطني أي وزارة الداخلية. هذه الخطة لم تكتمل. بعد مرور عام واحد، نقلت تبعية المحطات الثلاث إلى مجموعة «إعلام المصريين» التابعة للمخابرات العامة التي باتت تحت قيادة رئاسة الجمهورية مباشرة منذ كانون الثاني (يناير) الماضي. نتج عن ذلك إغلاق DRN و«العاصمة»، ودمج «الحياة» التي كانت لسنوات طويلة الرقم 1 في مصر، لشبكة قنوات on.
(علي غامر ـــ المغرب)

باختصار، بات الدمج هو الحل المثالي كي تستطيع الدولة الإنفاق على هذه القنوات من دون الحاجة إلى رجال الأعمال. وفي ظل سياسة تحريرية محاصرة، فإن العائدات الإعلانية تتراجع. الدمج ليس الحل الوحيد المستخدم، وإنما التقشف أيضاً، إذ تم الاستغناء عن افتتاح شاشتي «dmc مسرح» و«dmc أطفال»، ولا تزال «dmc نيوز» تصارع من أجل الظهور، أي إن ثلاث محطات من بين ست تابعة لشبكة dmc المملوكة مباشرة للدولة من خلال شركة «دي ميديا»، لم تر النور رغم الإعلان عنها بتفاؤل كبير في نهاية عام 2016. أما شبكة «سي. بي. سي» التي تعد الأكثر استقراراً، فهي مهددة بطوفان التدخل الحكومي، إذ يتردد بقوة عن وجود نية لاستبعاد عائلة مالكها محمد الأمين عن الإدارة والاكتفاء به شريكاً، والسعي لنقل الإعلامية لميس الحديدي إلى شاشة «أون» الرئيسية بديلة من زوجها عمرو أديب. ما قد يؤدي إلى إغلاق قناة «سي. بي. سي» العامة والاكتفاء بقناة «سي. بي. سي. سفرة» والشاشة الإخبارية «أكسترا نيوز». ويلف الغموض مصير الشاشة الإخبارية الثانية «أون لايف»، التابعة لشبكة «أون»، ولا أحد يعرف ما إذا كانت ستقفل أم تستمر لكن تتحول للمشاهد غير العربي. لا أحد يعرف شيئاً حتى من يطبخون القرارات في الاجتماعات المغلقة، بل إنّ قرارات تصدر بوقف بعض الإعلاميين أو نقلهم ولا يعرفون بها إلا بعد تفعيلها أي من دون الرجوع إليهم وأخذ رأيهم. ما سبق يعني أنه بحلول شهر الحسم، أيلول (سبتمبر) 2018، قد يفقد مئات آخرين وظائفهم داخل مدينة الإنتاج الإعلامي ويتقلص الإعلام المصري لما يوازي نصف قدرته الحالية. الأمر لا يختلف كثيراً في الصحافة الخاصة، التي باتت أيضاً مملوكة للدولة المصرية.
مؤسسة «اليوم السابع» تواصل عملية تسريح صامتة للعشرات من الصحافيين والموظفين بعد توسعات غير مسبوقة في 2017. وكذلك مؤسسة «الدستور» التي تستعد للأمر نفسه، إذ لم يتقاض الصحافيون رواتبهم عن شهر حزيران (يونيو) حتى الآن. أما الصحف الحكومية، فتنتظر بعد تفعيل قانون الصحافة الجديد قرارات دمج وإغلاق غير محددة التفاصيل حتى الآن. كل ما سبق يعني أن الإعلام المصري سيدخل عام 2019 منهكاً وغير قادر على الصمود. لكن السؤال الذي لا يمكن استباق إجابته حالياً: هل يفعل النظام الحاكم كل ذلك من أجل إعادة تأهيل السوق، وجعله مناسباً لاحتياجات المصريين وخطط النظام، أي إنه بعد انتهاء الاستحواذ وتسريح العمالة التي يعتبرونها زائدة وخفض الأجور، سيتم إطلاق عملية لتطوير الإعلام المصري أم الهدف الأساسي هو جعل المصريين يتابعون محطات وصحفاً معدودة كما كان يحدث قبل 20 عاماً؟ السؤال يترقب الجميع إجابته بعد انتهاء المجزرة التي ستصل إلى ذروتها في أيلول (سبتمبر) المقبل.