أربعة رواة تناوبوا على استعادة حكايات شعبية من بيئاتهم المحليّة، أتت كحصيلة لورشة عمل أقامتها فرقة «مراية» بالتعاون مع «صندوق الحكايا» تحت عنوان «الحكاية الشعبية من النص إلى العرض». العرض الذي استضافته «غاليري سامر قزح» في دمشق القديمة أخيراً، ارتحل بين أربع بيئات سورية هي الزبداني، والقامشلي، وحلب، والسويداء، كعيّنة عن تماثل أو افتراق الثيمات الحكائية وطريقة الروي بين هذه الأمكنة. كان علينا تلك الليلة أن نتتبع جماليات اللهجة بين بيئة وأخرى، أكثر من اعتنائنا بمحتوى الحكاية أو مقاصدها السردية، إنما في عمل الراوي على تحرير الحكاية من شفويتها، وفقاً لما تقوله مديرة الفرقة ومنسّقة العرض آنّا عكاش، وإن تقاطعت الحكايات الأربع في جوهرها عند مكابدات العشق، وكيفية عمل الراوي على انقاذ بطل الحكاية، في نهاية المطاف، متجاوزاً الصعاب، والفخاخ، والصدمات، بحكمة، أو أهزوجة، أو عبارة قاطعة، ستكون حبل النجاة أو الهلاك. خضع متدربو الورشة خلال أسبوعين لتمرينات نظرية، وأخرى عمليّة، في اختيار الحكايات وتحليلها وتوثيقها، وصولاً إلى مرحلة الأداء ومتطلبات الفرجة. هكذا وقع الاختيار على هذه الحكايات من بين 17 حكاية اقترحها المشاركون، وهم: وئام الخوص، وكمال بشير، وعلي الرميض، ونور عبد الحي، وقد وجدوا فيها ما يعبّر عن بيئاتهم بعمق. سينتبه المتفرّج إلى تفاوت طبقات الحكي والنبرة السردية لكل راوٍ على حدة. ففيما تقع وئام الخوص على حكاية محليّة خالصة مشبعة بالأعراف المحلية والتوابل البلاغية لبيئة الزبداني المتاخمة لمدينة دمشق، تختار نور عبد الحي حكاية خرافية من الجنوب السوري، بينما يستعيد علي الرميض سيرة الشاعر عبدالله الفاضل المعروف باسم «ساري» بمزيج من السرد والأشعار الجوّالة التي كان يتناقلها شعراء الربابة. أما كمال بشير، فسيلجأ إلى حكاية مرتحلة من بيئات أخرى، قبل أن يصبغها بلهجته الحلبية. لن يخذلنا هؤلاء الرواة بنهايات حزينة، إنما سينتصرون لأبطال حكاياتهم بمنعطفٍ سردي مباغت، سيضع الحكاية في مقامٍ آخر، وتالياً لن يكون صعباً أن تتحوّل الأميرة إلى أمير، لإنقاذها من موتٍ محقّق، أو أن تحبل إحداهن بعد أن تتناول بيضة طاووس بمكيدة من شقيقاتها، كما سيغامر الشاعر العاشق الذي ينتمي إلى طبقة مسحوقة بطلب يد ابنة شيخ العشيرة، وذلك في سرد دائري متناوب، كأننا أزاء حكاية واحدة بعتبات مختلفة، على غرار ما تفعله شهرزاد في «ألف ليلة وليلة»، وهو ما يضع الحكاية على تخوم العرض المسرحي، بانتقال الراوي من مقعد الحكواتي إلى فضاء الخشبة لجهة السينوغرافيا وطبقات الأداء. عدا عروض الفرجة، تعمل هذه الفرقة بمشاركة مؤسسة «صندوق الحكايا» على توثيق الحكايات الشفوية، وإحياء طقوسها بمساهمة من ريم محمد في الجانب النظري، ووئام الخوص في الجانب العملي. لننصت إذاً، إلى حكايات الجدّات قبل أن يطويها النسيان، أو أن تطغى عليها حكايات الحرب.