تقع مسلسلات السير غالباً في مطبّات تقديس الشخصيات التي تعالجها كما حصل مع مسلسل «أم كلثوم» (1999 ـــ كتابة محفوظ عبد الرحيم وإخراج إنعام محمد علي ـــ أدّت الدور ببراعة النجمة المخضرمة صابرين) أو أنها تقدم نصوصاً قاصرة عن الإحاطة بالشخصية، كما حصل لدى إنجاز مسلسل عن الشاعر محمود درويش بعنوان «في حضرة الغياب» (2011 ــ كتابة حسن م يوسف وإخراج نجدت أنزور ـــ لعب بطولته بانفصام مطلق عن شخصية درويش النجم السوري فراس إبراهيم). هذا عند الحديث عن شخصيات فنية وأدبية وسياسية... لكن الأمر يصبح أشدّ تعقيداً عند التصدّي لشخصية دينية محاطة بهالة من القدسية، بسبب مكانتها على المستويين الديني والاجتماعي، إضافة إلى الوعي الجمعي لجمهور يتعامل مع رجال الدين بأعلى حالات الاحترام المبالغ به أحياناً، إلى درجة قد تصل إلى حدود منح بعض هؤلاء مرتبة «الكرامات». هكذا، في حال قرّر أي عمل فني تقديم سيرة شخصية دينية، سيتعرض لمجابهة نقدية بشقّيها الرسمي والمجتمعي. رغم كلّ ما سبق، قررت «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي» في سوريا أن تنجز مسلسلاً ثلاثينياً عن المطران هيلاريون كابوشي (1922-2017) رجل الدين المسيحي السوري المولود في حلب، الذي أصبح مطراناً لكنيسة الروم الكاثوليك في القدس سنة 1965، قبل أن يجيّر مكانته الدينية لمصلحة خدمة القضية الفلسطينية. كتب سيناريو العمل التلفزيوني حسن م يوسف، وسيتولى إخراجه باسل الخطيب. أما عن رجل الدين المسيحي، فقد اشتهر بدعمه الواسع للمقاومة في فلسطين، إلى درجة أنه كان ينقل لها السلاح بسيّارته. وقد ألقت قوات الاحتلال الصهيوني القبض عليه سنة 1974 أثناء تهريبه السلاح للمقاومة، وتم سجنه أربع سنوات بعد الحكم عليه 12عاماً، قبل أن يخرج بواسطة من «الفاتيكان». وفي 1978، أُبعد عن فلسطين، ليكمل حياته في روما. ورغم تعليمات المؤسسة الدينية له بالابتعاد عن القضية الفلسطينية، إلا أنه نذر حياته لخدمة حقوق الشعب الفلسطيني ومطالبه الجوهرية. ثم ركب «أسطول الحرية» مع شخصيات عالمية مرتين: الأولى عام 2009 والثانية في 2010 من أجل إيصال المساعدات لأهالي غزّة وكسر الحصار عنهم في خطوة جبّارة تحدّى بها جبروت الكيان الصهيوني!اللافت أن المؤسسة الحكومية أدرجت المسلسل على خطّتها قبل أكثر من عام، ولم تتح لها فرصة تنفيذه حتى الآن. لكنّ «الأخبار» علمت بشكل مؤكد أنّ التحضير سينطلق قريباً، ليكون العمل جاهزاً للعرض في رمضان المقبل، على أن يتقاسم دور المطران كلّ من النجمين عبد المنعم عمايري وغسّان مسعود. الأوّل في شبابه، والثاني في مراحل عمرية متقدمة. ورغم الموافقة المبدئية للممثلين السوريين وبدء غسان مسعود التحضير الفعلي وجمع الوثائق والشغل على روح الشخصية المركبة، إلا أن النص لم يجهز بشكل كامل حتى الآن. في كل الأحوال، تشي الملامح المبدئية للعمل بأنه لا يركّز على تفاصيل الثوب الكهنوتي، بقدر ما يضيء على تفاني الرجل، وفكره المقاوم بمعناه العميق، وإيمانه بالقضية الفلسطينية، ثم تجيير الشخصية الكنسية لتصب في خدمة العدل المطلق بأسلوبية تتماهى مع الفكر الديني القائم على مناصرة الخير وتحقيق الجمال!