كيف لطفلة غادرت المدرسة بعد أوّل صفعة تلقّتها من مدرّستها لتنصرف إلى تعليم نفسها بنفسها، ومن ثم تقرأ أمهات الأدب العالمي، ألا تكون مهيّأة لإنجاز «ثورة إنسانية» بسلوكها على مدار العمر؟ بالفعل، ستصبح هذه الطفلة في ما بعد نجمة مخضرمة اسمها سمر سامي.إنّها أستاذة الأداء التمثيلي المصنوع خصيصاً لعدل المزاج، ورفع السوية العامّة في أي عمل تشتغل فيه، رغم أنّها لم تحصّل ولا حتى شهادة ابتدائية ممهورة بختم رسمي بسبب احتجاجها الصارخ على آلية التعليم! مرّت سنينها وافرة بالعطاء لكّنها صُفعت مرّات عديدة بالخذلان قبل أن تهمّش في الآونة الأخيرة، ربّما لكونها شخصاً استثنائياً. اعتزلت نجمة «أحلام كبيرة» (أمل حنّا وحاتم علي) منذ زمن بعيد كلّ الجلسات العامة، لصالح كينونتها في «صومعتها المقدّسة»، أي بيتها في مدينة «جرمانا» (قرب دمشق). هناك، تعيش عوالمها المفتوحة على الاحتمالات المتعدّدة. تتأمّل في ما حولها بمزاج موغل في الهدوء، كأنّها إحدى شخصيات مسرحية «في انتظار غودو» (صموئيل بيكت)، نادراً ما تطفئ سيجارة «الحمراء الطويلة» التي يلازمها كأس متّة بيد، والكتاب في اليد الأخرى. الغرابة المدهشة أنّ نجمة الدراما السورية لا تملك تلفزيوناً في بيتها، ولا تشاهده إلا نادراً! كما العادة، تغيب هذه الممثلة الآسرة سنين طويلة، وغالباً بسبب تجاهلها من قبل شركات الإنتاج، وبعض المخرجين، أو لرداءة ما يُعرض عليها واعتذاراتها المتكرّرة عن عدم تجسيدها أدواراً بائسة. لكنّها عندما تعود تبرق مثل الوهج ولو ببضعة مشاهد قليلة! تطلّ نجمة فيلم «كومبارس» (نبيل المالح) في هذا الموسم بعمل يتيم هو «هارون الرشيد» (سيناريو وحوار عثمان جحى، وإخراج عبد الباري أبو الخير ــ «روتانا خليجية»، و«روتانا دراما»، و«الفجيرة»، و«حواس») ببعض الحلقات التأسيسية، وثلاثين مشهداً تجسّد فيها شخصية «الخيزران»، أم الخليفتَيْن العباسيَيْن، «موسى الهادي» (عابد فهد)، و«هارون الرشيد» (قصي خولي). تقبض سامي بإحكام متين على مشاهدها، وتشكّل مع فهد ثنائية ساهمت برفع سوية الحلقات الأولى من العمل. كأنّها فهمت تماماً أنّ المسلسل يريد أن يقدّم صورة معاصرة عن حدث تاريخي من دون أي همّ للتوثيق أو الالتفات للتأريخ! هكذا، تقدّم سمر سامي مقترحاً جديداً للعب الشخصية التاريخية التي ضحّت بابنها «الهادي» وقتلته بيدها عندما دسّت له سمّاً في طعامه بعد رغبته في الاستئثار بالحكم، ونقل ولاية العهد إلى طفله «جعفر» بدلاً من «الرشيد». نستمع للجملة برنّة صوت الممثلة القديرة وكأنّها في مسلسل «مودرن» بدون جفافها التاريخي، ولا وقعها الخشبي، بل بسياقها السليم وبلغة عربية فصحى، تنسجها بصيغة أدائية مبهرة. تردّد لابنها بعدما صار على بعد ساعات من الموت: «الخيزران تلين ولا تنكسر»، ثم تأمر ابنتها «العبّاسة» بأن تلقي نظرة أخيرة على جثّة «الهادي» وتبايع «الرشيد»، قبل أن تجبر الأخير على تولّي الخلافة، لأنّ «الدولة لا تقوم على العواطف بل على الشرائع والسنن». ثم تذهب لتحجّ إلى بيت الله الحرام!
ربّما يحق القول إنّ سمر سامي، وبعد مشوار طويل، تطلّ هنا لتعطي درساً نموذجياً بفنّ الأداء، على الأقل بالنسبة إلى عدد من زميلاتها في المسلسل نفسه، وهنّ يجسّدن أدوارهن بدون روح أو إحساس، أو حتى تحكّم دقيق بعضلات الوجه عند صياغة ردود الفعل المتناقضة. كيف يمكن لهنّ ذلك و«البوتكس» وبقية عمليات التجميل حاضرة بدهشة في زمن «هارون الرشيد»؟!


* «هارون الرشيد»: 21:00 «روتانا خليجية» و«ART حكايات 2» ـ 5:00 على «نايل دراما»، 16:00 على «المحور» ــ 01:00 على «النهار دراما»