«هما عايزين ايه؟ صناعة السينما خلاص ماتت، عايزين يموتوا الدراما كمان؟!» هكذا رددت واحدة من النجمات الكبيرات في مصر بعدما أدهشها ما يحدث من مضايقات للأعمال الدرامية من قبل جهات يفترض أن تكون سعيدة بما وصلت إليه الدراما المصرية خلال السنوات الأخيرة لناحية الجودة على مستوى التقنية والرؤية الفنية والموضوعات المطروحة. يمكن أن نقول إنها تشكل طفرة كبيرة في دراما ظلت لعقود أسيرة أسماء معدودة وأنواع فنية محدودة وموضوعات عفى عليها الزمن، واتساع لرقعة المتابعين لهذه الأعمال لتشمل قطاعات كبيرة من الشباب الذين يشاهدون المسلسلات على الإنترنت.النجمة الكبيرة فوجئت بأن مسلسلها المقبل حُجب من العرض على القنوات المصرية لأسباب غير مفهومة. الأمر نفسه ينطبق على نجم كوميدي شهير تعرض مسلسله للحجب أيضاً. ويقال إنّ مسؤولين كباراً اعترضوا على العملين. لكن يقال أيضاً إنّ المسألة تصفية حسابات بين منتجين. وفي الحالتين النتيجة واحدة: ضرب صناعة الدراما التي تعد واحدة من أكبر الصناعات في مصر حالياً، حيث تستثمر المليارات وتوفر فرص عمل بالآلاف كل عام.
المشاكل الإنتاجية تسببت أيضاً في خروج العديد من المسلسلات من السباق قبل أيام من رمضان. رغم هذه الأجواء الكئيبة، تواصل الدراما المصرية صعودها كمّا وكيفاً، ولو بسرعة متعثرة، وخاصة بعد نجاح محاولات الخروج من الموسم الرمضاني الضيق، الذي تتكدس فيه عشرات الأعمال، إلى بقية شهور العام. إذ شهد العامان الماضيان نجاح مسلسلات عدة، مثل «قسمتي ونصيبك»، «حجر جهنم»، «استيفا»، «سابع جار»، وآخرها «الشارع اللي ورانا».
تعود إيمي سمير غانم إلى الكوميديا لتؤدي دور البطولة أمام زوجها حسن الردّاد في «عزمي وأشجان»

على مستوى الكم، هناك عدد هائل من الأعمال المنتجة التي تتجاوز استيعاب قدرة سوق العرض، المحدود بشهر رمضان، بخاصة مع ارتفاع تكاليف الإنتاج، والأزمات الاقتصادية التي تعانيها الفضائيات، وانحسار عائد الاعلانات بسبب الانكماش الاقتصادي العام… ومن ثم أصبح ضرورياً البحث عن سوق أوسع، زمنياً وجغرافياً. ولعل انضمام التلفزيون السعودي إلى هذه السوق حديثاً يضخ أموالاً تأتي في وقتها لإسعاف الصناعة، رغم أنه يشكل مزيداً من الشروط والقيود التي تعانيها الدراما.
على مستوى الكيف هناك جيل، بل أجيال متلاحقة، من الممثلين والمؤلفين والمخرجين ومديري التصوير... تربوا في أحضان الثورة الرقمية، والعولمة، يشاهدون ويتأثرون ويقتبسون، ويحاولون الخروج على المألوف اقتناعاً بالتجديد، أو بحثاً عن الاختلاف، ليجدوا لهم مكاناً في السوق. في كل الأحوال وفي حدود الإمكانيات المتاحة للإنتاج العربي، يسعى كثير من هؤلاء الشباب للخروج من سجن الدراما الاجتماعية بنوعيها الجاد والهزلي، وتقديم أنواع فنية أخرى مثل الأكشن والرعب والفانتازي والتاريخي.
مهنة الكتابة تحديداً يكثرعليها الطلب هذه الأيام. الشركات تتسابق على فكرة جديدة، وأسواق العاطلين تخرج سنوياً عشرات من الشباب الحالمين بالثروة والشهرة بضربة حظ وقلم، من خلال مسلسل يتكون من 30 أو 60 وحبذا لو كان 120 حلقة. من بين مئات السيناريوهات التي تكتب سنوياً، يصل العشرات إلى مرحلة الإنتاج. ومن عشرات الأعمال التي يتم إنتاجها، تكون هناك حفنة منها متميزة كل عام، تجتمع فيها الكتابة الجيدة بالإخراج الجيد والممثلين الموهوبين.
من بين الأعمال التي يبدأ عرضها مع الساعات الأولى من رمضان، نتصور أن خريطة المشاهدة يمكن أن تتوزع كالتالي:
أعمال عائلية على رأسها «بالحجم العائلي» (dmc, «عمان», sbc, و«ألفا») الذي يعود به يحيى الفخراني إلى الدراما بعد توقف قصير العام الماضي، مع ميرفت أمين ومجموعة من الشباب، ومن إخراج هالة خليل، أحدث المنتقلات من السينما إلى التلفزيون… العمل اجتماعي كوميدي يدور حول الطعام وأنواعه في شهر الطعام!

عزمي وأشجان
المسلسل الذي يتوقع له النصيب الأكبر من المشاهدة هو «عزمي وأشجان» («النهار», و«دبي», و«OSN يا هلا») للزوجين ايمي سمير غانم وحسن الرداد، اللذين شكلا ثنائياً كوميدياً ناجحاً في السينما، انتقلا به إلى مجال الدراما، مع المنتج أحمد السبكي، الذي انتقل أيضاً إلى التلفزيون بعد عشرات الأفلام التجارية الناجحة.
بجانب ايمي والرداد، يشارك في «عزمي وأشجان» عدد من نجوم الكوميديا المحبوبين، من سمير غانم إلى بيومي فؤاد ومحمد ثروت وأحمد حلاوة وعدد من الجميلات مثل نسرين أمين، يسرا المسعودي، نسرين طافش. أضف إلى ذلك الفكرة المعروفة عن العصابة الظريفة الجذابة التي تتشكل من رجل وامرأة، لعل أشهرها فيلم «عصابة حمادة وتوتو» لعادل امام ولبلبة. المسلسل عبارة عن حلقات متصلة منفصلة، مما يشكل كوكتيلاً جماهيرياً وعائلياً لا يقاوم على الإفطار!
بعد «عزمي وأشجان»، هناك مسلسلان يتنافسان على مساحة الكوميديا هما «سك على اخواتك» (تمثيل علي ربيع واخراج وائل احسان ـــ mbc مصر)، ومسلسل «الوصية» («سي بي سي», «أبو ظبي» و«ART حكايات») الذي يجمع اثنين من المذيعين المعروفين، هما أحمد أمين مقدم برنامج «البلاتوه» وأكرم حسني مقدم برنامج «أسعد الله مساءكم». ولكن من غير المتوقع أن يحقق أي منهما نجاح «عزمي وأشجان».

عبدو يتحدى رامبو!
على مستوى الأكشن يعود النجم «الشعبي» الأول محمد رمضان بمسلسل «نسر الصعيد» («دبي»، dmc) في دور ضابط بوليس للمرة الأولى، بعد عدد كبير من الأفلام والمسلسلات التي لعب فيها دور الخارج على القانون. يراهن صناع العمل على أنه سيكون مسلسل المقاهي الشعبية الأول، ونتصور أنّه سيلقى منافسة قوية من مسلسل «كلبش 2» («الحياة» وmbc 1, و«الظفرة» و«مصر الأولى», و «OSN يا هلا») لأمير كرارة، الذي يلعب دور ضابط شرطة أيضاً، ولكن على الطريقة الأميركية، أي الرجل خارق القوة الذي ينفذ القانون بيديه ويثأر من المجرمين لأسباب شخصية. يحاول أحمد عز استمالة جمهور الأكشن بمسلسله «أبو عمر المصري» (ON E ــ «أون دراما»، «رؤيا»، «أم. بي. سي 1»). العمل سياسي مأخوذ عن روايتين معروفتين تتناولان مسيرة الاسلام السياسي والجماعات الارهابية بنوع من الحياد، وقامت بكتابة السيناريو مريم نعوم، التي تكتب عادة سيناريوهات أفلام ومسلسلات «نسائية»، في أول عمل لها من هذا النوع. ومع أنّ مخرج المسلسل أحمد خالد موسى لديه تجارب ناجحة في الأكشن، إلا أن الخلطة تبدو غريبة وغير متناسقة. الخلطة الغريبة نفسها نجدها في مسلسل «اختفاء» (dmc, و«عمان», وsbc, و«ألفا») لنيللي كريم، التي تترك أدوار النساء المقهورات لتؤدي دور امرأة مهمة قوية على طريقة غادة عبد الرازق، في مغامرة غير محسومة نتيجتها إلا بعد المشاهدة.

أمينة وروبي... الماضي أجمل
في السنوات الأخيرة، حققت المسلسلات الرومانتيكية التي تدور في أزمنة سابقة نجاحات ملحوظة عند قطاع مختلفة من المشاهدين، أغلبهم مشاهدات من أعمار مختلفة. هذا العام يتنافس مسلسلان كبيران من هذه النوعية، هما «ليالي أوجيني» (قناة cbc - «دبي» - OSN) من تمثيل أمينة خليل وظافر العابدين واخراج هاني خليفة)، و«أهو دا اللي صار» (أبوظبي دراما) من تمثيل روبي وتأليف عبد الرحيم كمال واخراج حاتم علي. يتبقى مسلسلان واعدان بدأنا بهما هذا المقال، وهما «لدينا اقوال أخرى» ليسرا و«أرض النفاق» لمحمد هنيدي، ولكن نجاحهما سيتوقف على سهولة الوصول إلى القنوات العربية التي تعرضهما، بعدما تأكدت الأخبار عن عدم عرضهما على القنوات المصرية!