منذ انتشار الفوضى في سوريا، أيقن كثيرون ممن فاتتهم قافلة الشهرة والنجاح أنّ الساعة ربما أزفت للثأر من كل الخيبات التي لحقت بهم، وحان الوقت لتصفية الحساب مع كل مَن سرق الأضواء أو حقق حضوراً ونال محبة الجمهور! هكذا، افتتح بعض «مناضلي» العالم الافتراضي جبهة صراع جديدة مع المشاهير، متمثلة في الاتصال بهم هاتفياً وتسجيل المكالمات من دون إذن مسبق أو معرفة هؤلاء المشاهير بأمر التسجيل. معظم المكالمات عبارة عن حفلة شتائم مبتذلة تنتهي بـ «صرخة نصر»، كأنّ صاحب الاتصال قد حقق أثرى منجز في تاريخ حياته، أو أنّه أنهى الأزمة في بلاده في ربع ساعة.
معظم هذه الاتصالات المسجّلة مع فنانين سوريين ولبنانيين، التي انتشرت على يوتيوب، كانت ممهورة باسم حسين جبري (أبو زهير)، لكن يبدو أنّ «أبو زهير» لم يحظ بأي تحصيل علمي يخوّله صياغة جملة واحدة متماسكة ذات معنى. ظلّ مزاجه يتحكم في طبيعة المكالمة ومستواها، فإذا كان الممثل الذي يتحدّث معه ضمن قائمة إعجاباته، وعرف كيف يسيطر على غضبه، يبقى الكلام طبيعياً لا يزيد سوءاً عن حشرية أو فظاظة بعض المعجبين.
أما إذا كان الأمر عكس ذلك، فإنّ منسوب الشتائم سيبلغ أعلى مستوياته. هذا ما فعله حسين جبري مع الممثلة تولاي هارون، التي تمكنت من ضبط نفسها والرد على الشتائم بالشكر، فيما انحدر الممثل بشار إسماعيل إلى مستوى المتصل وراح يشتم بالطريقة نفسها. تحوّل جبري إلى ظاهرة حقيقية، فسارعت سيدة سورية مقيمة في ألمانيا تدعى ميسون بيرقدار إلى نسخها وتقمّصها، لكنها استخدمت أسلوباً منمقاً هذه المرة، مستعينةً بأنوثتها بهدف الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا الرجال من المشاهير.

الطريقة جاءت مشابهة لـ «الورقة الأخيرة» التي تلعبها أجهزة الاستخبارات عندما تريد التجسس على جهة معينة.
هكذا، تحاول بيرقدار كسب وقت إضافي في اتصالاتها التي تبثها على نحو دوري على يوتيوب.
قبل أشهر، دأبت السيدة (اسمها الحركي «الحرة وسام») على «اصطياد» الفنانين السوريين، منهم دريد لحام، عباس النوري، غسان مسعود، سيف الدين السبيعي، وسلمى المصري، إضافة إلى الإعلاميين كنانة حويجة، هناء الصالح، نزار الفرا، جعفر أحمد، وأخيراً الفنان اللبناني زياد الرحباني. حاولت بيرقدار توريط هذه الشخصيات واستدراجها نحو شن هجوم على النظام السوري أو «حزب الله». وبمجرّد شعورها بفشل المهمة، تكون وصفة الشتائم جاهزة قبل إنهاء الاتصال.
تبدأ المغتربة السورية حديثها على نحو ودي لا يخفي فقر مستواها لجهة الثقافة واللغة، ووضاعة الأسلوب التجسسي الذي تعتمده، والمفردات والأمثلة التي تسوقها. كل ذلك من دون أن يفوتها الاستشراس في الدفاع عن السعودية وملكها عبد الله بن عبد العزيز، على اعتبار أنّ لها شركاء في المملكة يساعدونها على تنسيق المكالمات والحصول على أرقام الشخصيات المهمة.
في اتصالها مع زياد الرحباني، بدا جلياً أنّ صاحبة الاتصال بذلت جهوداً حثيثة وحاولت عشرات المرات قبل أن تنجح في الحديث مباشرةً مع صاحب «أنا مش كافر». راحت تعيد عليه الأسئلة نفسها التي طرحت عليه في حواره الشهير مع موقع «العهد» الإلكتروني. وفي الحديث الهاتفي، لم تتناقض تصريحات الرحباني مع ما قاله يومها، ولم يتنكر لما عرف عنه من مواقف مناهضة لـ «الربيع العربي». أما في ما يتعلّق بسوريا، فقد رأى الرحباني أنّه يقف أمام خيارين: إما النظام ومساوئه، أو الفوضى والتكفيريين. وقال الفنان اللبناني إنّه يفضّل الخيار الأوّل برغم كل شيء، نافياً علمه بأن تكون شقيقته «ريما» قد أنكرت ما قاله لـ «العهد» عن حب والدته فيروز للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله. ولم تنجح محاولات الرحباني المتكررة للاعتذار عن عدم إكمال الحديث مع السيدة السورية، التي أبلغته أخيراً أنّها ستنشر المكالمة، وتأسف لكونها قد سمعت فيروز يوماً! هذا الأسلوب في «الإيقاع» بالمشاهير تكرر مع سلمى المصري، وعلي الديك، ودريد لحام وغيرهم، ولم تتوقف المسألة هنا، بل شملت المكالمات أيضاً الإساءة إلى الفنانين ومعتقداتهم، بمعزل عن مسألة انتحال صفة صحافية.
ربما على المنظمات النقابية في سوريا التواصل مع الجهات المسؤولة في ألمانيا لوضع حد لبيرقدار، التي تعلن ولاءها المباشر للوهابية، وتنذر نفسها محركاً إضافياً للشر والفتن، غير آبهة باستغلالها خصوصية بعض المشاهير كي تبني لنفسها شهرة وهمية عابرة، حتى لو اضطرها ذلك إلى تجاوز كل القيم، والأخلاق، والمعايير.




... والسياسيون أيضاً

اتصلت ميسون بيرقدار أيضاً بشخصيات أمنية وسياسية سورية، منهم رؤساء فروع أمن ومستشارو الرئيس السوري بشار الأسد، وأعضاء في مكتبه الخاص. وشملت الاتصالات أيضاً سفير سوريا في الأردن بهجت سليمان، تلاه الممثل الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري. الأخير واصل حواره مع السيدة حتى النهاية، من دون أن تتخلى عن تهذيبها أثناء الحديث معه، (ربما) خوفاً من وجوده في أوروبا وإمكانية ملاحقتها قانونياً في مكان إقامتها. وقد استغلت بيرقدار أثناء حديثها مع هؤلاء فكرة وجودها في الغربة، لتقنعهم بحاجتها إلى مساعدتهم لتنتهي المكالمة بأسطوانة الشتيمة المعهودة.