حالما انتهى الصمت الإنتخابي عند الساعة السابعة أمس، حتى إنطلقت ما سميّت بالسهرات الإنتخابية. لحظة انتظرها المشاهدون/ ات، في نهاية نهار طويل ومحتدم بين الأطراف السياسية المتنافسة. مساحة استغلها أيضاً الإعلام ليتخلص من قيود قواعد القانون الإنتخابي، ويطلق العنان للغة الأرقام ولأسماء الفائزين والخاسرين، وإن لم يمرّ سوى بضع ساعات على إقفال صناديق الإقتراع. نجوم التغطية كانوا خبراء الإحصاء وعدد من المحللين السياسيين. حتى إنّ السهرة بدأت قبل نشرات الأخبار المسائية، بل أطاحت ببعضها، مع تسجيل غياب لنشرتي lbci، و mtv، اللتين تفرغتا لمنافسة من نوع آخر.
مارسيل غانم وmtv: إبراز للخطاب القواتي

lbci، التي فقدت جوكرها مارسيل غانم، الذي اعتاد الناس على انتظاره عشية إعلان نتائج الإنتخابات النيابية، كما حصل قبل تسع سنوات، فضّلت ركوب قطار العصرنة، والجمع ما بين الجدية والترفيه. في برنامج «بالنسبي للمجلس»، العبارة المستعارة من القاموس الشعبي، جمعت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بين ثلاثة أجنحة: التحليل السياسي مع ماريو عبود، وقراءة الأرقام والنتائج الأولية في الدوائر الإنتخابية، على شاكلة الغرافيكس، مع استخدام تقنية الأبعاد الثلاثة مع يزبك وهبة، وشق مواقع التواصل الإجتماعي الذي تولت دفته ديما صادق.
طبعاً، إدارة lbci، التي تتمتع بذكاء لافت في طريقة تعاطيها مع المشاهد، وكسر كلاسيكية الحوارات نوعاً ما، وزعت هذه المرة ـــ ضمن مساحة واحدة ــــ اهتمامات وأذواقاً مختلفة في استديو مصمم خصيصاً للعملية الإنتخابية. وكان لافتاً تبنّيها استراتيجية واضحة في طرح الإشكاليات الأساسية في الإنتخابات الحالية. اشكاليات تخص أوضاع أحزاب وتيارات سياسية، كمحاولة خرق «حزب الله»، من قبل «القوات» في الهرمل، أو مصير الحريرية السياسية في بيروت والشمال، وغيرهما من الأسئلة. وقد وزعت معالجتها على مراسليها تبعاً للمناطق المتواجدين فيها. وضمن لغة التحليل مع جوني منيّر، وسالم زهران، والأرقام مع الخبير في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، ومع ممثل عن تيار «المستقبل»، وعن لائحة «كلنا وطني» (المجتمع المدني)، يبقى السؤال عن شقّ مواقع التواصل الإجتماعي وإستجلاب كل من باقر كركي (حزب الله)، وعماد بزي، وشربل غصوب (القوات)، وعباس زهري لمحاولة قراءة أمزجة الناشطين تبعاً لإنتماءاتهم الحزبية. خطوة لا يمكن قراءتها سوى بعين دخول lbci ضمن «التريند»، ومجاراة هذا العالم، الذي لا يحتاج بالطبع الى خبراء، لقراءة التعليقات والأجواء على المنصات الإفتراضية عند كل حزب أو تيار سياسي.
على المقلب الآخر، سجلت الإطلالة الأولى لمارسيل غانم على mtv. إطلالة حشدت لها المحطة بكل قوتها في الأيام القليلة الماضية، وراهنت عليها، في جذب الجمهور للمتابعة وسط المنافسة الشرسة بين المحطات. في استديو ضخم، مجهز بأحدث التقنيات، وقف غانم مخاطباً الجمهور بكلام يذكرنا بما كان يدلي به بين الفينة والأخرى في «كلام الناس». تقمص غانم الشخصية اللبنانية الناقمة على السلطة، لكنه لم يكن مقنعاً هذه المرة في ما قاله، إذ بان التناقض واضحاً على شاشة لطالما جاهرت بولائها للسلطة. تحدث الإعلامي اللبناني، عن أزمة النفايات، وغياب البرامج الإنتخابية، و«سأم» المواطن من العيش في «الذل»، وانتخاب «الزعيم». غمز من قناة «حزب الله» وتدخله في سوريا، ومن قناة النازحين، مطلقاً على القضيتين عبارة «لعنة التاريخ والجغرافيا».
ركزت «الجديد» على المشاجرات التي سادت العملية الإنتخابية

أنهى غانم المقدمة، لتنطلق بعد الإعلان تغطية «برلمان 2018» على قناة «المرّ». من يشاهد «التوك شو» الطويل الذي تنوع ضيوفه بين خبير الإحصاء ربيع الهبر الذي أفرغ كل ما في جعبته من أرقام حتى إستطلاعات الرأي التي أجراها قبل أسبوعين، وبين الصحافي علي حجازي ومصطفى علوش (المستقبل)، مع إطلالات لشبكة مراسلي المحطة، لا يميّز الفرق بين فورما «كلام الناس»، و«برلمان 2018». نقاش غانم لضيوفه ظهّر موقفه السياسي في بعض الأماكن، سيّما عندما ختم كلامه مع النائب الكتائبي نديم الجميل بـ «على أمل تنعاد روحية ثورة الأرز»، أو كتعقيبه على الحيثية الإنتخابية لنواب الهرمل، فكرّره ما تردّد «القوات» دوماً، حين تساءل عن «الإمتعاض من مصادرة قرار بعلبك»، ونسبة التصويت المسيحي العالي في الدوائر الإنتخابية المسيحية هناك.
ومع إطلالة رئيس حزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط حصرياً على mtv، بدا الهواء قواتياً، بإمتياز، مع الأرقام التي اتكأ عليها الهبر تبعاً للماكينة القواتية، واستطلاع الأخيرة وظهور النائبة ستريدا جعجع، واداء غانم. هكذا، تعود المحطة بمعية الأخير، لتوقظ وتظّهر الخطاب القواتي أكثر فأكثر.
التغطية الإعلامية النهارية التي اتسمت بتخندق واضح للقنوات الحزبية، وسعيها الى إقصاء الأطراف الأخرى، وتظهير الأحزاب والتيارات التي تنتمي إليها ولو على حساب خرق الصمت الإنتخابي، استمرت وبوتيرة أعلى في ساعات المساء، ومواكبة صدور النتائج من «المنار» وnbn إلى «المستقبل» وotv. أما «الجديد»، فكان واضحاً، أنّها اتكأت على لغة الإثارة. يكفي أن تمرّ عناوين النشرة المسائية أمام ناظر المشاهد، حتى يخرج بهذا الإنطباع. ليس مستغرباً عن المتابع للقناة، أن يشاهد هذا التركيز على الإشكالات والمشاجرات التي سادت العملية الإنتخابية، علماً أنّ القناة تميزت بحضور قوي لمراسليها الذين انتشروا في مختلف المناطق اللبنانية.