في قلب لندن، هناك مشروع فني فريد من نوعه تجمع فيه الفنانة الأميركية تارين سيمون عدداً من الندّابين/ات من غانا واليونان والصين وبوركينافاسو وقيرغيزستان وغيرها من البلدان، لأداء عرض موسيقي يستكشف كيف يرثي البشر من الثقافات المنوّعة أحباءهم الذين يرحلون عن الحياة، خصّته «هيئة الإذاعة البريطانية» بتقرير. لمرّات عدّة في اليوم، يجتمع حشد صغير من الأشخاص على رصيف بجانب مدخل غير محدّد المعالم، شمالي لندن، لمشاهدة العرض. وتبدو الأبواب الرمادية الضخمة للمكان مثل شيء وضعه بنَّاء على عجل، لكن خلفها، وأسفل الدرج الخرساني المنحدر، توجد منشأة فنية يجري إعدادها منذ سنوات.
قبل بدء كل عرض، يُقاد الجمهور في هدوء إلى أسفل، حيث معرض دائري فوق مساحة فارغة في الوسط، ثم يظهر نحو عشرين مؤدي ومؤدية في الأسفل، ويأخذون مواقعهم حول حافة الظلام. هنا، تبدأ النّدابين/ات في العويل والصراخ بلغاتهم المختلفة، سواء فرادى أو في مجموعة من شخصين أو ثلاثة. ولمدّة 45 دقيقة، يترك المنظمون الجمهور يتجول في المكان بحرية، وفي الخلفية يعزف أنيبال غونزاليز من الإكوادور، والذي لا يظهر للمشاهدين، على آلة الأوكورديون أيضاً.
علماً بأنّ نسخة مختلفة من هذا المشروع نُفذت قبل عامين في مؤسسة «بارك أفنيو أروموري» الثقافية في مانهاتن.
تقول الفنانة تارين سيمون إن ثقافة الندب أو الرثاء تركز غالباً على النساء، وتضيف: «سرعان ما أدركت أن الجندر يلعب دوراً كبيراً في تلك المهنة. بعض أشكال الندب يؤديها فقط النساء للنساء… فهن يسكبن الدموع التي لا يسكبها الرجال، لأنّ الرجال غير مسموح لهم بالبكاء... وفي بعض أشكال الرثاء، تضطر النساء للوقف أمام حائط، وإرهاق أنفسهن في عملية الحزن، ويصبحن بديلاً لحزن الرجال».
وتوضيح سيمون إنّ أولئك الذين نشأوا في ثقافات أخرى لا تعرف الندب، عليهم أن يمرّوا بقفزة ذهنية لكي يتقبلوا فكرة رثاء شخص لا يعرفونه: «في بعض الحالات، تبكي الندابات تلقائياً، ودون أي تصنع».
وبينما يغادر الجمهور مكان العرض، يتسلم الحضور كتيباً صغيراً، يسجّل الجهود المضنية للحصول على تأشيرة الدخول لكل واحد من المؤدين الذين جاؤوا إلى لندن، بهدف الربط عمداً بين الثقافات القديمة والمخاوف السياسية الراهنة.