باريس | إنها واحدة من المفاجآت السارة القليلة التي تضمنتها الاحتفاليات التي تقام منذ مطلع العام الحالي في فرنسا، احتفاء بمرور نصف قرن على الثورة الطلابية التي هزت باريس وقلبت الطاولة على نظام الجنرال ديغول، في أيار (مايو) 1968. كانت هذه الفعاليات مناسبة لإطلاق مبادرة فنية مهمة، بالتعاون بين دار الأسطوانات الشهيرة «يونيفرسل» ومنشورات «الذاكرة والبحر»، تتمثل في نفض الغبار عن وثيقة فنية تاريخية تتمثل في تسجيل نادر للحفلة الفريدة التي أقامها ليو فيري (1916 ـــ 1993)، يوم 10 أيار (مايو) 1968، في قاعة Mutualité، علماً بأنّ الأخيرة أصبحت لاحقاً قلعة اليسار في فرنسا، وتقع في «سان جيرمان دي بري»، على مرمى حجر من «الحي اللاتيني»، معقل الانتفاضة الطلابية التي كانت آنذاك في أوجها.
كانت ليلة 10 أيار علامة فارقة في انتفاضة مايو 1968، إذ اشتهرت لاحقاً باسم «ليلة المتاريس»، لأنها شهدت أولى المواجهات العنيفة بين الطلبة المنتفضين وشرطة مكافحة الشغب، ما دفع الثوار الشباب إلى نصب المتاريس على حواف الحي اللاتيني، لحماية مواقعهم من «أزلام الجنرال».


وسط المتاريس، صدح عراب أغنية النص الفرنسية بعدد من أشهر أغانيه المتمردة: من «سيدي الجنرال» (1947)، إلى «لقد انتخبوا» (1967)، مروراً بـ«زمن الورود الحمراء» (1950) من دون أن ننسى، بالطبع، أغنيته الأثيرة «لا إله ولا سيد» (1965).
لم تقتصر مبادرة «يونيفرسل» و«الذاكرة والبحر» على إصدار التسجيل التاريخي النادرة لحفلة «الأسد العجوز» خلال ليلة المتاريس، بل أرفقته بأسطوانتين إضافيتين. الأولى تحمل عنوان «مع أفكاري، دائماً نفس الأفكار»، وتضم نخبة من الأغاني الثورية التي ألّفها فيري وأدّاها قبل انتفاضة مايو 1968. والهدف من هذه الأسطوانة التدليل بأنّ فيري لم يركب موجة الانتفاضة الطلابية، كما فعل كثيرون، بل دعا إليها وبشّر بها قبل سنين طويلة من وقوعها. أما الشريط الثاني، فيحمل عنوان «6 وبضع سنوات أخرى»، ويضم نخبة من الأغاني التي قدّمها فيري لاحقاً، بعد أيار 1968، التي تثبت بأنه ظل حتى رحيله وفيّاً للقيم التحررية والثورية التي قامت عليها ونادت بها الانتفاضة الطلابية الشهيرة.