لم تكد أجراس منتصف الليل تدقّ، معلنةً حلول السنة الجديدة، حتى بدّلت قناة «الجزيرة الرياضية» جلدها. اللون البرتقالي الذي اشتهرت به الشاشة الأهم رياضياً على الصعيد الإقليمي، اختفى تماماً من الاستوديوات وعن الشاشة، ليحلّ مكانه اللون البنفسجي الذي قد يطبع مرحلة غير مسبوقة في تاريخ البث الرياضي تحت اسم شبكة beIN Sports.
نظرة أولى إلى جوانب البث تترك انطباعاً عند المشاهد بأن لا شيء تغيّر في تقديم المباريات، والاستوديوات التحليلية، ونشرات الأخبار، وأنّ الأمر اقتصر على تغيير ذاك الشعار الذي يزيّن أعلى الشاشة من اليمين، إضافة إلى الإضاءة التي غلب عليها البنفسجي.
لكن الحقيقة قد تكون مغايرة تماماً. من خلال 19 قناة، ستنقل beIN Sports الأحداث الرياضية بأربع لغات، هي: العربية، الإنكليزية، الفرنسية والإسبانية. وهو ما يشير إلى دلائل كثيرة، أبرزها أنّ القناة القطرية لم تعد ترضى بحصر دورها على الساحة الإقليمية، بل أصبح هدفها الآن إثبات حضورها ومنافسة أكبر الشبكات الرياضية العالمية بعقلية أكثر تطوراً وانفتاحاً. من هنا، يمكن التطرّق إلى الشعار الذي رافق انطلاقة beIN Sports: «تغيّرت اللعبة». الأكيد أنّ الشبكة القطرية التي استحوذت في الشرق الأوسط على أكثرية الحقوق الحصرية للأحداث الرياضية المهمة، تنوي تغيير قواعد اللعبة على الصعيد العالمي في مواجهة شبكات اعتادت القبض على حقوق أبرز الأحداث ثم بيعها إلى العالم، مثل «سكاي سبورتس»، و«بي. بي. سي.»، و«إي. أس. بي. أن.».
هكذا، كان لا بد من دخول المعركة باسم أجنبي يكون مفتاحاً للأبواب العالمية، وخصوصاً بعدما بدأت القناة أصلاً في استقطاب أساليب أساسية للعمل من قنوات شهيرة عدة مثل «سي. أن. أن» و«بي. بي. سي»، مقتنعة في الوقت نفسه بأنّها لا بدّ من أن تخرج من كنف القناة الأم وتحظى باستقلالية تامة بعيداً عن التعقيدات التي فرضتها عليها «الجزيرة» الإخبارية. تعقيدات ولدت جرّاء تورّط قناة «الرأي والرأي الآخر» في القضايا السياسية المختلفة حول العالم. هي خطوة ذكية بلا شك تحسب لرئيس شبكة القنوات الرياضية ناصر الخليفي، الرجل الأوروبي الهوى الذي تحوّل بسرعةٍ إلى أحد الوجوه المؤثرة في كرة القدم الأوروبية منذ وصوله إلى ترؤس فريق «باريس سان جيرمان»، ثم تحويله بطلاً لفرنسا.
في الكواليس، تدور أحاديث عن أنّ اسم «الجزيرة» بات يشكل عبئاً على الشبكة الرياضية ويسبّب لها المتاعب. هذا التأثير السلبي ظهر في مرات عدة، اذ على خلفية تعامل القناة الإخبارية مع حدث سياسي معيّن، كانت الرياضية تتعرض للتشويش أثناء بثّها مباراة على قدر بالغ من الأهمية. وقد زادت وتيرة هذه الممارسات مع هبوب «الربيع العربي» في بلدان عربية عدة.
وهناك كلام عن أنّ «الجزيرة» وشعارها رسخا في أذهان الغرب، لكن بطريقة سلبية؛ إذ ينظر البعض إلى القناة على أنّها مساحة لتقديم نشاطات الأصوليين، وخصوصاً بعدما اشتهرت بعرضها فيديوات ارتبطت بنشاطات تنظيمات «جهادية» في العالم العربي وخارجه. ورغم إدراك القائمين على القناة الرياضية أنّ اسم «الجزيرة» حصد النجاح طوال الأعوام العشرة الأخيرة، إلا أنّ تغيير الهوية كان ضرورة، نظراً إلى إمكانية استثمار الاسم الأجنبي أكثر، ويمكن أيضاً تقبّله عالمياً.
مع هذا التغيير الراديكالي، يترقب المتابعون الآن الشروط التي ستفرضها الشبكة الجديدة لكي يتمكنوا من مشاهدة كل النشاطات الرياضية وخصوصاً كأس العالم 2014. الأمر سيتطلب أجهزة استقبال مختلفة عن تلك التي بُثّت من خلالها «الجزيرة الرياضية». كذلك إنّ الشبكة القطرية ستعتمد الآن تشفيراً أكثر تعقيداً يصعب على القراصنة فكّه. هؤلاء سيكونون بدورهم أمام تحدّ جديد لمساندة «الثائرين» الذين يتهمون الشبكة بالاحتكار، وهو تجسّد مطلع الشهر الماضي خلال اجتماع الجمعية العامة لـ«اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الأوروبية» الذي انعقد في جنيف. هذا الاجتماع شهد تحالفاً عربياً بين «التلفزيون المصري»، و«التلفزيون التونسي»، و«التلفزيون الجزائري» التي اتهمت «الجزيرة» بالهيمنة على أبرز الأحداث الرياضية. واللافت كان الدعم الذي حظي به هذا الحلف من قبل قنوات أوروبية ذاقت اللوعة إثر اقتحام القطريين لأراضيها، والدليل هو ما حصل في فرنسا حين باتت «كانال بلوس» وغيرها تحت رحمة beIN Sports التي استحوذت على كامل حقوق الدوري الفرنسي.

يمكنكم متابعة شربل كريم عبر تويتر | @charbel_krayem




العقل المدبّر

يعدّ ناصر الخليفي، رئيس شبكة قنوات beIN Sports، العقل المفكّر وراء فرض شبكته لنفسها رقماً صعباً على الساحة العالمية. رغم تنقّله بين الدوحة وباريس، يحرص الخليفي على الاطلاع شخصياً على انتقاء الأشخاص المؤثرين في سير العمل وكل ما يرتبط بالبث على الهواء. الخليفي وعدَ عشّاق كرة القدم بتغطية غير مسبوقة؛ فـ«البرامج لن تقتصر على رياضة واحدة فقط، بل سنغطي أيضاً مختلف الفعاليات الرياضية الأخرى، سواء التنس، أو كرة السلة، أو كرة اليد، أو ألعاب القوى، إضافة إلى سباقات السيارات، وسباقات الدراجات، والركبي». ويؤكد الخليفي أنّ beIN Sports «ستحدد معايير جديدة للبث الرياضي المتعدد اللغات، وخدمة المشاهدة عند الطلب».