ضمن كتابين ضخمين، وثّق عبده خال (1962) تاريخاً طويلاً من السّرد الحكائيّ الشعبيّ السعودي. يشكّل «أساطير حجازيّة» و«أساطير تهاميّة» (السّاقي) ثمرةَ جهدٍ استغرق قرابة ربع قرن من العمل، تتبّع خلالها الروائيّ السعودي الحائز جائزة «بوكر» العربيّة (2010_ عن روايته «ترمي بشرر») الحكايات الشعبيّة السعوديّة، جامعاً إيّاها من أفواه الرواة.
وإذا كان الكاتب قد وصل إلى جدّة، وهو يحمل داخله «قرية لا تنام» كما يقول في استهلاله للكتاب، فإنّه سيكتشف في المدينة بيئة مغايرة لما يحمله من موروث حكائيّ ريفيّ يعيش في وجدانه. داخل القرية الصغيرة، تُتداوَل الحكاية تحت اسم «خرفينة» أو«حِكواية» إذا كانت تتناول العوالم غير المرئيّة، فيما تسمى «خبيرة» إذا كان أبطال الحكاية من البشر. وهذه الأخيرة جرت العادة أن ترويها الإناث «وربّما يكون مردّ ذلك لكون الرجل لا يجب أن يكون في موضع المخبر بما ليس حقيقيّاً». أمّا حكايات المدينة، فهي تحوم حول الملاحم والقصص الواقعيّة، بينما تصلها الحكايات المؤسطرة من خلال الرواة القادمين من المناطق الريفيّة.

وإذ يتحدّث الكاتب في استهلال «قالت عجيبة، أساطير تهاميّة» عن طقوس الحكي في القرية التي كانت تعتبر أسلوب الترفيه البديل في ظلّ غياب التلفزيون والمسرح والسينما، فإنّه ينقل تلك الأجواء السّاحرة حيث تمثّل الحكّاءة «نافذة تطلّ من خلالها القرويات إلى لحظة أنس».
أمّا مخزون الراويات من الحكايات فلا ينضب. يلجأ خال إلى زيادته عبر المبادلة في الأسواق حيث «تتبادل الحكايات مع مثيلاتها كما تتبادل السلع التي خرجت من أجل بيعها أو شرائها». وحين تمتلك الراوية هذا المخزون، فإنها بالتالي تمتلك القدرة على التأليف، فتقوم بتأليف حكاياتها الخاصّة في محاكاة للقصص التي حفظتها. وهذه المحاكاة هي ما يفسّر التشابه بين الحكايات الشعبيّة، وهي ما يجعل بعض الحكايات تبدو كأنّها قادمة عبر الزمن البعيد، بينما هي عبارة عن توليفة حكائيّة لراوٍ، أو راويةٍ حاذقة.
في مقدمّة الكتابين، يعرّف صاحب «لوعة الغاوية» (2012) الثقافة بكونها «كلّ فعل أو قول ترسّب داخل المجتمع وتحوّل إلى سلوك أو إيمان يمارسه الفرد من غير فحص أو مراجعة». ويروي علاقته بالحكايات والأساطير منذ طفولته الأولى، حيث «كنت محظوظاً؛ إذ عشت داخل الأساطير كحكاية وكفعل»، ليكون ذلك مدخلاً إلى مراجعة بحثيّة معمّقة يشرح فيها تاريخ الأسطورة إلى جانب علاقتها بالجغرافيا والتاريخ وبالموروث الدينيّ، مبرّراً بذلك سعيه لسنوات طويلة إلى جمع تلك الحكايات من أفواه رواتها وجمعها في كتاب وجعلها في متناول قارئ قد يقوم بالمقارنة بينها وبين أساطير الشعوب الأخرى التي تجمعها بها تقاطعات كثيرة. في «قالت عجيبة، أساطير تهاميّة»، يدوّن الكاتب مجموعة كبيرة من الحكايات والأساطير الشعبيّة المشوّقة والمثيرة مثلما سمعها في الرّيف، بينما يدوّن في «قالت حامدة، أساطير حجازيّة» مجموعة أخرى من الحكايات والأساطير كما سمعها في الحجاز التي أضفت عليها نكهتها الخاصّة.