«ليس للشاهدِ/ مَنَ يشهدُ/ لَهُ» [پاول تسيلان]. هكذا، عبر التاريخ الدموي لاحتراب البشر، كان الشعر أبرز الأنشطة البشرية تعبيراً عن ويلات الحرب. وكان الشعراء، لسان حال الضحايا، ككل الضحايا، أولَ ضحاياها، حتى ارتقى لوركا إلى درجة المجاز متجاوزاً الشخص والجغرافيا الإسبانية الضيقة. في ذكرى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، وتزامناً مع حروب أخرى تأكل المقدرات البشرية والعمرانية العربية، نقدم هذا الكشكول الشعري شاهداً على بعض ما يَنْعَادُ وسَيْنَعَادُ بسبب اجتماع بلادة الغرائز وتجارة السلاح.
جورج سكوت: مفعول متفجرَة في الليل، 1915

جَاكْ پْرِڤِيرْ: بَرْبَارَةْ
تذكري بربارة
كانت تمطر بلا توقف فوق بْرِسْتْ
وكنت تمشين باسمة
منشرحة جَذْلَانَةً رقراقة
تحت المطر
تذكري بربارة
كانت تمطر بلا توقف فوق برست
وتقاطع سبيلانا بشارع سيام
كنت تبتسمين
وأنا بدوري كنت أبتسم
تذكري بربارة
أنت التي لم أكن أعرفك
أنا الذي لم تكوني تعرفينني
تذكري
تذكري رغم كل شيء ذلك النهار
لا تنسي
كان رجل يحتمي تحت كُنَّةٍ
وصاح باسمك
بربارة

غويا: الثالث من مايو

وأسرعت الخطى نحوه تحت المطر
رقراقة جذلانة منشرحة
وارتميتِ في حضنه
تذكري بربارة
ولا تَتَحَسَّسِي مني إن رفعتُ معك الكلفة
أرفع الكلفة مع كل الذين أحبهم
ولو أني لم أرهم إلا مرة واحدة
أرفع الكلفة مع كل الذين يتحابون
ولو أني لا أعرفهم
تذكري بربارة
لا تنسي
هذا المطر الحكيم والسعيد
على محياك السعيد
على هذه المدينة السعيدة
هذا المطر على البحر
على ورشة السفن الحربية
على سفينة ويسان
آه بربارة
أَيٌّ سخافة هي الحرب
كيف صار حالك الآن
تحت هذا المطر الحديدِ
الحدِيد الفولاذِ الدمِ
وذاك الذي كان يحضنك بين ذُرْعَانِهِ
بعشق
مات اختفى أو ما زال على قيد الحياة
آه بربارة

دولاكروا: الحرية تقود الشعب

تُمْطِرُ على برست دونما توقف
كما كانت تمطر من قبل
ولكن ليس بنفس المنوال فكل شيء فسد
هو مطر حداد رهيب وموحش
لم يعد حتى زوبعة
حديداً دماً
فقط غيمات
تَنْفَقُ كالكلاب
كلاب تختفي
مع سيل الماء على برست
وتذهب لِتَنْتَنَ بعيداً
بعيداً بعيداً جداً عن برست
التي لم يبق منها شيء.

أَدُونِيسْ: اِحْتِفَاءً بِالْأَشْيَاءِ الْغَامِضَةِ الْوَاضِحَةِ [مقاطع]
قُطْعَانٌ مِنَ الدَّمِ
ترعى وجهَ الأرض.
■ ■ ■
بهدوء يتقدم الغسقُ
على كتفيه بقع مِنَ الدمِ
وفي يديه وردة تكاد أن تذبل.
■ ■ ■
نساءٌ:
غيوم تمطرُ الدمعَ.
■ ■ ■
سيحزن لموتي الْفُرَاتُ:
سيظل دمعه جارياً كما كان.

من مخيم شاتيلا [ وكالة الصحافة الفرنسية]

جان جينيه: أربع ساعات في شاتيلا
الحب والموت. تتوحد هاتان الكلمتان بسرعة بالغة ما أن تكتب إحداهما. كان علي أن أذهب إلى شاتيلا كي أحس ببذاءة الحب وببذاءة الموت. لم يعد للأجساد، في الحالتين، شيء لتخبآنه: الوضعيات، الالتواءات، الإيماءات، الإشارات، الصموتات ذاتها تنتسب لعالم وللآخر. كان جسد رجل في الخامسة والثلاثين من العمر مسجى على بطنه. كما لو أن كل الجسد لم يكن إلا مثانة في هيأة رجل، كان قد انتفخ تحت الشمس وبمفعول كيمياء التحلل إلى حد تمطيط السروال الذي يكاد ينفجر عند الإليتين والفخذين. الجزء الوحيد من الوجه الذي أمكنني رؤيته كان بنفسجياً وأسود. قليلاً فوق الركبة، كان الفخذ المثني يشي عن جرح، تحت الثوب الممزق. علة الجرح: سنان بندقية، سكين، خنجر؟ ذباب فوق الجرح وحوله. الرأس أضخم من بطيخة — بطيخة سوداء. سألت عن اسمه، كان مسلماً.

غسان زقطان: مِخدةٌ
هل ظل وقتٌ كي
أقول لها: مساء الخيرِ يا أمي
رجعت بِطلقة فِي القلب
تِلك مِخدتِي وأرِيد أن أرتاح

قولِي إِنه يرتاح
لو دقت علينا الحرب.

روبرت كاپا: موت ميليشياوي [في الحرب الأهلية الإسبانية]

عبد الرحمن الماجدي: سؤال
كيف أصف المشهد أيتها اللغة؟
هل أقول: ركضت جثة الجندي خطوات بعد أن قطعت شظية الرأس؟
أم أقول: تدحرج رأس الجندي فيما ركضت الجثة خطوات؟
أم أقول: اختفى الرأس فهربت الجثة؟
أين أصبح/ أمسى/ بات/ صار/ ../ الجندي؟

سِنَانْ أَنْطُوْنْ: مَريَمٌ عِرَاقِيَّةٌ
هُزِّي جِدع هذه اللحظة
تَسَّاقَطْ عليكِ
موتاً سخياً.

دالي: وجه الحرب

مروان علي: حرب
أصبحت غريباً
في بلادي
لولا قبور الأصدقاء
لـما وجدت الطريق
إلى البيت.
■ ■ ■
سنتقاسم الحرب
أنت تدفن الأصدقاء
وأنا أبكي عليهم.
■ ■ ■
هذه هي الحرب
وهي ليست خدعة:
من لم يمت برصاصة
سيموت من الشوق.
■ ■ ■
غادرنا البلاد
بحقائب صغيرة
لذلك تركنا خلفنا
أشياء كثيرة.
■ ■ ■
الذي
أطلق الرصاص علي
كان أخي
سيعود إلى رشده يوماً
ويبكي
ولن يجد مكاناً
يضع رأسه عليه
غير شاهدة قبري.
■ ■ ■
في الحرب
تنتصر الجثث.
■ ■ ■
انتهت الحرب
وجدت قبوراً كثيرة
وأحذية لجنود هربوا
من معركة
لم تكن معركتهم
■ ■ ■
انتهت الحرب
وجدت البلاد
وجدت الطريق
ولم أجد البيت

كْيْتْ وُولْوِتْزْ: المتطوعون

يانيس ريتسوس: قداس للموتى
الجدة في ركن من أركان القاعة. في الركن الآخر، أحفاد عشرة. وعلى المائدة تسع شموع مغروسة في أرغفة الخبز. الأمهات ينتفن شعرهن والأطفال يبقون صامتين. والحرية، من الكوة، تحرس وتتنهد.