استضافت «الجامعة الأميركية في بيروت» بداية الشهر الحالي، ندوة «الشريط المشاكس»، حول القصص المصوّرة العربية الملتزمة. المؤتمر الذي جمع تجارب في فن الكوميكس والشرائط المصوّرة من العالم العربي، ركّز على محاور عدّة أبرزها «سياسة الهوية، الجندر، والبيئة»، و«رسم الإنسانية: العزل والجندر وحقوق الإنسان»، و«القصص المصوّرة كسردية مضادّة: التعليم، البحث والتاريخ» بمشاركة فنانين وأكاديميين عرب، فيما أضاء على تجارب لبنانية ومغربية من بينهم زينب الفازيقي ومحمد البلاوي وجنى طرابلسي ورواند عيسى. تحت عنوان «الشريط المشاكس»، شمل الحدث التجارب العربية المعاصرة في فن الكوميكس التي خلعت البراءة عن أبطالها، واستبدلت سندباد وسمير وأسامة، بأبطال يملكون وعياً نقدياً للمجتمعات وقضاياها. هموم سياسية واجتماعية وحقوقية كثيرة باتت تخترق فضاءات ومجلات الكوميكس العربية، بسعي فنانيها إلى تقديم قصص الشارع البديلة، ومعالجة المواضيع المحرمة التي تطال السلطات الأمنية والدينية والجندرية.
حركة تجريبية جمعت فنانين من خلفيات وهموم متنوّعة

شهد لبنان واحدة من أبرز وأولى التجارب مع مجلة «السمندل» التي أخذت فن الكوميكس إلى أماكن جديدة. وفي مصر خرجت «التوك توك» و«الدشمة»، وفي الجزائر «الورثة»، وصولاً إلى «سكف كف» في المغرب التي تنظّم لها «مبادرة معتز ورادا الصوّاف للشرائط العربية المصوّرة» معرضاً خاصاً بعنوان «ولاد كازا (كازابلانكا)» في «صالة عرض بنك بيبلوس» في «الجامعة الأميركية في بيروت». يشير الاسم إلى المدينة المغربية التي منها خرجت تجربة «سكف كف» التي صدر العدد الأوّل منها عام 2013. في تعريفها، تعلن المجلّة منذ البداية انحيازها إلى الشارع والأزقة السفلية لكازابلانكا. فعنوان «سكف كف» ما هو إلا اسم سندويش شعبي في الدار البيضاء يعرف بـ «خانز وبنين». يحوي المعرض رسومات وبوسترات بأحجام كبيرة وبعض الرسومات والدفاتر الخاصة لمجموعة من فناني المجلّة الذين راحوا يستكشفون الشارع المغربي بأقلامهم.

من المعرض

محمد البلّاوي أحد مؤسسي المجلة، يأخذنا إلى الدار البيضاء الشعبية والقديمة على دراجة نارية يتشاركها بطلاه في قصتيه «دليل البيضاوي»، و«البيضاوي 2». بالألوان الفاقعة. يصوّر البطلين العاشقين عزيزة والمدني مستخدماً بعض الكليشيهات في الدار البيضاء. كذلك يلجأ إلى التشويق مستلهماً روحية الأفلام المكسيكية والهندية والمصرية التي كانت تعرض على الشاشات المغربية في التسعينيات. يبدّل الفنانون في أدواتهم وأساليبهم، لكن السمة البارزة أنّ الذاكرة الشعبية واللهجات المغربية لا تغيب عن الأعمال. إذ يوظّفها الفنانون، ضمن قوالب تهكمية، ومرحة أحياناً لإيصال أفكارهم النقدية للمجتمع، تماماً كما تفعل زينب الفازيقي التي نرى لها لوحات وبوسترات كبيرة لبطلتها الخارقة «سوبر خديجة» النسوية التي تحلّق وتطير فوق شعار «امرأة ونص...». هناك لوحات لمهدي أناسي استوحى فيها رسوماته وقصائده من أغنية «المجدوب» للفنان المغربي الحسين كيلي. الرسم الواقعي بالأبيض والأسود هو أسلوب فخرالدين لوحي في قصته المصوّرة «بيلانتي» من العدد الرابع لـ «سكف كف» التي خصصها لكرة القدم. بعد أعدادها الأولى، بدأ القائمون على المجلّة بتخصيص كل عدد لثيمة معينة، فقد عادت إلى ذاكرة الطفولة لجيل الشباب في العدد الخامس من خلال استرجاع أهم الرموز والشخصيات الكارتونية ووسائل التسلية والألعاب، فيما خصص العدد السابع للحجابات والسحر والشعوذة من الذاكرة الشعبية. يسعى المعرض إلى تقديم تصوّر شامل عن المجلّة التي تخطّت الصفحات الورقية، فنراها عبر فيديوهات لورشات عمل تجمع فنانين وفنانات، وعلى الجدران في بعض المهرجانات، ونستمع إلى الإنتاجات الموسيقية التي رافقت هذه الحركة وتفرّعت منها. هناك أيضاً ملابس لفنانين ملطخة بالألوان، والأعمال والدفاتر الأصلية لبعضهم، وبوسترات الأعداد الثمانية من المجلة ولفنانينها مثل عبيد أيوب، وآدم بلعروشية ومحمد الشرقاوي وصلاح الدين بسطي. هكذا يضيء المعرض على هذه التجربة المغربية، وتطوّرها عبر السنين، ضمن حركة تجريبية جمعت فنانين من خلفيات وأساليب وهموم متنوّعة يجمعها الطبق المغربي المصنوع من النقانق.

* «ولاد كازا (كازابلانكا)»: حتى 22 آذار (مارس) الحالي ــ «صالة عرض بنك بيبلوس» في «الجامعة الأميركية في بيروت». للاستعلام: [email protected]