باريس | بعد مرور عام على معرض «من أجل متحف في فلسطين» الذي أقيم في «معهد العالم العربي» في باريس، أقيمت الدورة الثانية من المعرض مع ارتفاع عدد تبرعات الفنانين العرب والأجانب إلى نحو 230 لوحة، تعرض حالياً في المكان نفسه طيلة شهرين كاملين. هنا، عبّر الرسامون التشكيليون والنحاتون والفوتوغرافيون من مختلف الجنسيات عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية، كما تطوع أهم المهندسين المعماريين لتقديم تصاميم أولية عن المبنى المستقبلي الذي يسعى المنظمون إلى البحث عن موقع له داخل الأراضي المحتلة، ويفضلون إقامته في القدس. هكذا، يتحول مشروع إنشاء متحف للفن الحديث والمعاصر في فلسطين إلى واقع يوماً بعد يوم، بعدما كان الإعلان عنه في خريف 2015 بمثابة حلم أو مبادرة مستحيلة. تتوزع الأعمال على مساحة نحو 100 متر مربع، تجسد الفنون الحديثة والمعاصرة على مدار السنوات الخمسين الأخيرة. لا تتناول هذه الأعمال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقط، بل تعبّر أيضاً عن تفاصيل وقضايا إنسانية ويومية عبر مختلف وسائط وأشكال التعبير الراهنة مثل: فن التصوير مع كارتييه بروسون، ودوانو، وآن ماري فيليير. كما تحضر تجربة تاردي، وتيتوان لمازو في رسوم الكارتون، وعروض الفيديو للسينمائي المعروف جان لوك غودار. أما الرسم، فتمثله أعمال هيرفيه دي روزا، روبير كومباس، حامد عبد الله...
تشرف على هذا المعرض «جمعية الفن الحديث والمعاصر» إلى جانب معهد العالم العربي. وحسب اتفاقية وقعها مع المفوضية الفلسطينية في اليونيسكو قبل سنتين، سيتكفل المعهد بجمع التبرعات والتنسيق مع مختلف الهيئات الثقافية والدبلوماسية خاصة مع المغرب والجزائر وتونس، بهدف تشجيع الفنانين هناك على الالتحاق بنظرائهم العرب والأوروبيين الذين أطلقوا المبادرة العام الماضي مثل: كلود فيالا، هيرفيه دي روزا، روبير شملا، ورشيد قريشي. يومها، لبى هؤلاء نداء الفنان الفرنسي ارنست بينيون ارنست (1942) الذي يقول لـ «الأخبار»: «جاءتني الفكرة منذ لقائي بالشاعر الراحل محمود درويش، فشعره يعبّر عن شعب بأكمله. وتكريماً لدرويش، اقتبسنا من جملته الشهيرة شعارنا: «ونحن نحب الفن»». يستوحي ارنست المشروع من «متحف المنفى» الذي أطلقه في ثمانينيات القرن الماضي لمناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وجمع حينها أعمال عشرات الفنانين وعرضها في نحو 50 دولة.
خلال الافتتاح الذي أقيم قبل أيام، أكد رئيس «معهد العالم العربي» جاك لانغ أنّ معرض «من أجل متحف في فلسطين» يدعم قضية الشعب الفلسطيني ويظهر اهتمامه بالثقافات والفنون، بعيداً عن صور الحرب والدمار.
وكشف الباحث والمؤرخ الفلسطيني إلياس صنبر، سفير فلسطين لدى اليونسكو عن وصول عدد الزوار خلال الدورة السابقة من المعرض إلى 6000 شخص. كما أثنى على اهتمامات الفرنسيين والجالية العربية بهذا الحدث الثقافي، كاشفاً عن انطلاق عملية جمع أعمال الفنانين الأجانب المقيمين في فرنسا وأوروبا والضفة الأخرى من المتوسط. ويتم ذلك عبر توسيع شبكة الاتصالات مع البعثات الدبلوماسية الفلسطينية للتنسيق وإرسال اللوحات إلى باريس، فيما تجمع أعمال الفنانين الفلسطينيين ونظرائهم العرب في الضفة الغربية أو البلدان المجاورة. ويضيف لـ «الأخبار»: «هذا المعرض ليس عن فلسطين بل هو من أجلها. ولذلك هو مهم بالنسبة لنا كونه يعبر عن تضامن الفنانين بمختلف جنسياتهم وأعراقهم ودياناتهم مع شعبنا ودعمهم لحريتنا وسيادتنا الكاملة. وأملنا أن تزداد الأعمال المتنوعة من حيث مدارسها الفنية ومواضيعها، لنفتخر مستقبلاً بكل هؤلاء الذين وقفوا إلى جانب بلادنا». أما السفير الفلسطيني المناوب لدى اليونسكو منير أنسطاس، فيرى أنّ كثيرين يتساءلون حول جدوى الاهتمام بالمبادرات الثقافية أمام المشاكل السياسية والاجتماعية التي نعانيها في ظل الاحتلال. ولذلك هو يؤكد على فعالية هذه المشاريع في كسب تأييد المنظمات الدولية وانتزاع المزيد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا سيما أنها تأتي من فنانين عالميين ينتصرون للضمير الإنساني. ويقول لـ «الأخبار»: «يعتبر معرض ومتحف للفن الحديث والمعاصر رداً سياسياً قوياً على الاحتلال الإسرائيلي، ونحن نقاومه عبر سلاح الفن».
وكان إلياس صنبر قد أشار خلال افتتاح المعرض إلى تدريب الموظفين الذين سيشتغلون في المتحف مستقبلاً، فيما تحرص «جمعية فن الحديث والمعاصر» في فلسطين على تجسيده وفق معايير المتاحف الدولية الكبرى، وقد تراوح مساحته بين 3000 إلى 5000 متر مربع. ويعتبر المنظمون مدينة القدس هي المكان الأمثل له، لكنهم لم يخفوا مواجهتهم للعراقيل والإجراءات المعقدة بسبب الصراع الدائر في الأراضي المحتلة. وبعد اختتام المعرض في أيار (مايو) المقبل، سيرحل إلى المتحف الفلسطيني بيرزيت في الضفة الغربية، ثم يشق طريقه نحو أوروبا وباقي دول العالم.

* معرض «من أجل متحف في فلسطين»: حتى 13 أيار (مايو) ـــ «معهد العالم العربي»، باريس ـــ www.imarabe.org