القاهرة | حالة من الشد والجذب تشهدها الساحة الثقافية المصرية بعد قرار وزير الثقافة عبد الواحد النبوي، بتفعيل بروتوكولات وقعتها الثقافة مع وزارات عدة منها: السياحة، الشباب، التعليم، والأوقاف. حدث ذلك في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي خلال عهد الوزير جابر عصفور. وجاء الوزير الحالي عبد الواحد النبوي، ليفعّل البروتوكول الموقع بين الثقافة والأوقاف، دوناً عن باقي البروتوكولات الموقعة مع الوزارات.
هذا ما دفع الروائي إبراهيم عبد المجيد إلى طرح سؤال على صفحته الشخصية على “فايسبوك”، مفاده: “اللي عمل برتوكول التعاون بين وزارة الأوقاف والثقافة جابر عصفور. بحثت في الإنترنت، لقيت فعلاً فيه بروتوكول من قبل، لكن بدون تفاصيل ولا اتفاقات. الاتفاقات السبعة تمت مع عبد الواحد. يعني جابر عصفور لما حب يتقرب من الأزهر، قال لك اروح للاوقاف. اهو اتوقف حاله برضه والحمد لله. ويظل الامر غريباً ويزداد غرابة اذا عرفنا أنّ هناك بروتوكولات لم تفعَّل بين الثقافة والتعليم والثقافة والسياحة والثقافة والشباب. وهذا هو المجال الأقرب إلى الثقافة، فلماذا يبدأ الوزير بتفعيل بروتوكول الاوقاف؟”. الاتفاقية التي بدت غريبة بالنسبة إلى الدوائر الثقافية المصرية، تشتمل على بعض البنود التي تبدو غير منطقية، مثل استضافة المساجد للمثقفين وعقد ندوات فيها. سياسة تندرج ضمن إطار تعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي وتوصيته بتجديد الخطاب الديني. تعود جذور الأزمة إلى آذار (مارس) الماضي مع تعيين عبد الواحد النبوي وزيراً للثقافة خلفاً لجابر عصفور الذي يحظى – مقارنة بخلفه – بنوع من القبول، بصفته مثقفاً حقيقياً، بعيداً من مواقفه السياسية والإنسانية التي قد يتفق أو يختلف عليه المتابعون. منذ اللحظات الأولى، كان واضحاً أن النبوي لن يحظى بدعم المثقفين، على خلفية كونه أزهرياً، وعلى خلفية التصريحات المهنئة له من قِبل الموقع الرسمي للدعوة السلفية (ذراعها السياسي “حزب النور” السلفي). أشادت الدعوة السلفية حينها بقرار الإطاحة بعصفور وتعيين النبوي، وجاء في البيان: “يعتبر الدكتور عبد الواحد النبوي أول أزهري يتولى وزارة الثقافة المصرية، وهو الكرسي الذي لطالما جاء عليه أشخاص من التيار اليساري”. ورغم عدم دقة المعلومة، إذ يعتبر النبوي الثاني بعد صابر عرب الأزهري أيضاً، إلا أن تعضيد السلفيين للنبوي بالتحديد جاء أيضاً على لسان ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية الذي قال: “الدعوة السلفية تؤيد هذا الاختيار، على وزير الثقافة ألا يهاجم ثوابت الإسلام”.
تُضاف إلى كل ما سبق السنوات التي أمضاها النبوي عاملاً في جامعة قطر أستاذاً للتاريخ المعاصر، ما يُعتبر مؤشراً إلى ميول يمينية إخوانية بفضل سياسة دولة قطر التي ترعى تنظيم “الإخوان”، إلى جانب التقارير التي تشير إلى انتساب عدد من أفراد عائلته إلى الجماعة المحظورة في مصر. ربما تبدو المبررات أعلاه غير كافية، على اعتبار أنها نوع من محاسبة على الميول والأفكار. لكن المبررات السابقة، تضافرت بشكل مباشر مع أداء الوزير، لتزيد اعتراض أبناء المشهد الثقافي في مصر، بخاصة عندما حقق الوزير بداية غير موفقة بتصريحه حول أحقية الأزهر بإبداء رأيه في العمل الإبداعي، مشدداً على عدم تمتع المؤسسة الدينية بسلطة المنع. جاءت هذه التصريحات عندما استضافته الإعلامية لبنى عسل في برنامجها “الحياة اليوم” على قناة “الحياة”، ثم جاءت الطريقة الفظة التي تعامل بها النبوي مع الموظفة عزة عبد المنعم أمينة “متحف محمود سعيد” في الإسكندرية (الأخبار 1/5/2015). يومها، سخر من مظهرها وعلّق على ما رآه وزناً زائداً قائلاً: “أنا عندي مشكلة بخصوص الموظفين التخان”، ما أدى إلى تصاعد الغضب من الوزير. اختار عبد الواحد النبوي عدم تجديد انتداب لاثنين من أهم كوادر وزارة الثقافة، هما رئيس “المركز القومي للترجمة” أنور مغيث، والأمين العام لـ “المجلس الأعلى للثقافة” محمد عفيفي، متغاضياً عن إنجازاتهما خلال المدة التي تولى كل منهما فيها مسؤوليات موقعه. بدت هذه الخطوة كما لو أنّها محاولة لتفريغ الوزارة من قياداتها. يقول الشاعر رفعت سلام، المسؤول عن سلسلة “المائة كتاب”: “أراد الوزير أن يمنح تلك المناصب لأشخاص دونه في السيرة المهنية والثقافية. أراد أن يتحكم بالأدوات التي سينفذ بها خطته الثقافية. لكن المشكلة أننا لم نر أي خطة حتى الآن!”. وجاء اختيار الوزير لمحمد أبو الفضل بدران أميناً جديداً لـ “المجلس الأعلى للثقافة”، وشكري عبد المنعم مجاهد رئيساً لـ “المركز القومي للترجمة”، لتؤكد ما ذهب إليه سلام. الرجلان أكاديميان بلا منتج ثقافي جاد يؤهلهما لتولي المنصبين المهمين، عدا عن كون الأول عضواً سابقاً في “الحزب الوطني” المنحل إبان فترة حكم الرئيس مبارك. وفي سياق جهوده لتفريغ الوزارة من قياداتها، يستعد النبوي لتكرار الأمر مع أحمد مجاهد، رئيس “الهيئة العامة للكتاب”، الذي سيُطاح به فور انتهاء انتدابه، لحساب أسماء أخرى غير معروفة.
مغيث، وعفيفي، ومجاهد، من الأسماء المشهود لها بالكفاءة، وثلاثتهم يحوزون رضى شريحة كبيرة من المثقفين المصريين، مع انحيازهم الواضح إلى الثقافة، وإدراكهم التام لضرورة فصل العمل الثقافي عن الميول الدينية وإنجازاتهم الموثّقة كل في موقعه، يقول إبراهيم عبد المجيد: “المشكلة تكمن في من يأتي بهم الوزير مكان الآخرين.
ليقل لي أحد كلمة سيئة واحدة عن الدكتور أنور مغيث مثلاً وإنجازاته في مركز الترجمة وحياته الثقافية كلها؟ لن تجد أحداً. لننظر إلى الكتب التي صدرت في عهده القصير. أحسن وأجمل من كل الذي أنجزه جابر عصفور نفسه قبل ذلك”. إلا أن كل ذلك لم يشفع لمغيث وعفيفي عند النبوي الذي يواصل التخلص من قيادات القطاعات والهيئات في الوزارة، ليضع بدلاً منها أسماء تناسب أهدافه غير الواضحة والمريبة للثقافة المصرية.





أخونة الوزارة

أصدرت “جبهة الإبداع المصري” بياناً دانت فيه قرارات عبد الواحد النبوي بعدم التجديد لقيادات الوزارة، واتهمته بتفريغها من مثقفيها. وناشدت رئيس الوزراء إبراهيم محلب بالتيقظ لما يمارسه وزير الثقافة الذي “يطبق سياسة الأرض المحروقة، مطالبةً بإقالته. وجاء في البيان: “إن جبهة الإبداع تتابع بقلق بالغ كل ما يحدث في أروقة وزارة الثقافة، فوزيركم يعلم جيداً أنه سوف يمضي قريباً، لكنه يطبق سياسة الأرض المحروقة. وعليه فإنه يجرد وزارة الثقافة من الكفاءات قبل رحيله، كأنه ينفذ الأجندة التي عجز علاء عبد العزيز، وزير ثقافة الإخوان عن تنفيذها. (...) قد سبق لنا إصدار بيان يعترض بشدة على هذه التصرفات العشوائية غير الواعية، كما تراقب الجبهة بقلق بالغ خطوات الوزير المدروسة في تفريغ الوزارة من الكفاءات بسرعة بالغة (...) من دون توضيح لمبررات استبعاد مسؤول أو استقدام آخر، كأنه يتصرف بعزبته الخاصة (...) يا رئيس الوزراء نناديكم ونعلنها، إنّ هذا الوزير متواضع الخبرة، ليس لديه القدرة على اختيار القيادات، وهي أهم ميزة يجب أن يتحلى بها من هو في منصبه، فأي وزير لن ينجح إلا من خلال معاونيه. لكننا نجد بكل أسف أنّ الأسماء التي أتى بها في “المجلس الأعلى للثقافة”، و”المركز القومي للترجمة” على سبيل المثال أقل من الكفاءات التى كانت تشغل هذه الأماكن.” واختتم البيان: “إن جبهة الإبداع تطالبكم بسرعة إقالة هذا الوزير الذي قام بتجريف الوزارة المسؤولة عن العقل والإبداع المصريين في سعي دؤوب قبل أن يقضي على ما تبقى منها، فما قامت “ثورة 30 يونيو”، ولا كان اعتصام المثقفين لينتهي بوزارة الثقافة تلك النهاية التي لم يتمناها إلا الإخوان”.