طفولة ضائعة جرّاء الحرب. نزوح السوري إلى لبنان، وتأثيره على أهل البلد. التباس النفس البشريّة في صراع بين الواجب والمصلحة، وبين الادّعاء والحقيقة. انقلاب صادم نحو عنف غير متوقّع. سمات مشتركة في سينما كريم الرحباني، من خلال تيمات «الانتقام» و«الشعور بالذنب» و«الطفولة والنضج»، في ثلاثة روائيات قصيرة: «هل تحققت من زيت سيارتك؟» (2013 ـــ 8 د.)، و«ومع روحك» (2014 ــ 18 د – 20 مهرجاناً، 10 جوائز)، و«شحن» (2017 ـ 20 د. - جائزة لجنة التحكيم الخاصّة في مسابقة «سينما الغد الدولية للأفلام القصيرة» في «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» 2017، أفضل فيلم قصير في «مهرجان روتردام للفيلم العربي» 2017، جائزتا «الأجنحة الذهبيّة» لأفضل إخراج وأفضل سيناريو في «مهرجان آيندهوفن السينمائي» 2017، أفضل «فيلم قصير صادم» في مهرجان Tournai Ramdam في بلجيكا 2018).
السينمائي الشاب (1992) أحد أسماء الجيل الثالث من العائلة الفنيّة العريقة (حفيد منصور الرحباني، والابن الأصغر لغدي الرحباني، الذي شاركه سيناريو «شحن»، ولعب أحد أدواره). غير أنّ كريم ينجح في رسم مساره الخاص، بعيداً عن توقعات موسيقيّة بطبيعة الحال. يتخرّج من معهد العلوم السمعية البصريّة والسينمائية في جامعة القديس يوسف (IESAV) عام 2014. يظهر ممثّلاً في عدد من الأفلام والمسرحيات وحتى الإعلانات. في باكورته Have You Checked Your Oil?، يقتبس رواية «انتقام» لصامويل بلاس، مبشّراً بمسيرة واعدة. شريط طلابيّ طموح لا يخلو من ارتباك التجربة الأولى، إلا أنّه يلفت الانتباه، ويجول مهرجانات عدّة. التعريف الحقيقي يأتي مع فيلم التخرّج «ومع روحك». طفل سوريّ (عبد الهادي عسّاف) هارب من الحرب، يعيش في دير هادئ، تحت رعاية رهبان ودودين. حادث مباغت يغيّر كلّ شيء. يخلق صراعاً نفسياً صعباً. يقول إنّ الجانب المظلم من الإنسان قابل للبروز عند أيّ فرد. يثبت أنّ الهرب من العنف، لا يعني عدم ملاقاته في آخر مكان متوقع لوقوعه. شريط جريء الطرح والتناول. قاتم التحوّلات على بساطته. ذكيّ في اللعب على تلميحات حسّاسة، من دون استفزاز.

واحد من شباب
السينما اللبنانيّة الواعدين

عبد الهادي عسّاف أحد ضحايا النزوح السوري حقيقةً. التقاه كريم في شوارع بيروت منذ سنوات، ليكتشف أنّه معيل أسرته رغم صغر سنّه. هذا سيكون انطلاقة تكرار التعاون في «شحن». عنوان قاسٍ، للتأكيد على نقل النازحين كالبضائع المجرّدة من القيمة الإنسانيّة. هكذا، يجد الطفل وجدّه (سعد الدين مخللاتي) نفسيهما تائهين بلا مأوى أو أمتعة، بعد هرب السائق. من حسن الحظ أنّ ممثّلة شابّة (سينتيا خليفة) تتوقف لمساعدتهما. تقلّهما إلى بيروت. تمنحهما مكاناً للإقامة، ريثما تنتهي من تصوير عمل في الجنوب. هنا، تبدأ معاناة جديدة في سعي «عبودة» لتأمين دواء لجدّه المصاب بالزهايمر (تخبّط اللهجة بين السوري واللبناني والفلسطيني يبدو مستغرباً). الصغير مسؤول عن الكبير في هذا الوضع الصعب، وليس العكس. ما إن تطلّ طفولته برأسها للحظات، حتى تقمعها وطأة الواقع. يخرج إلى ليل بيروت الزاخر بالحياة والسهر والوحشة والتسوّل في آن. يختبر الحالة اللبنانيّة المعقدة في التعامل مع أمثاله. تعاطف صادق. شوفينية متأصّلة. ادّعاء وزيف واستعراض في المساعدة. عسف حتى من نازح آخر. مزيج ملتبس، قد يتحقق في شخص واحد، مثل الممثّلة الطامحة إلى الشهرة والنجوميّة. ما بين تيه النهار والليل، تتحرّى كاميرا راشيل نوجا وجوهاً وأزقةً وطبائع وهواجس قلق وترقّب، في تعاون ثانٍ مع كريم بعد «ومع روحك». ميلانكوليا متصاعدة، تعزّزها ضربات عمر الرحباني على البيانو. نهاية صاعقة، تثبت أنّ الطفولة أكثر ما يدفع الثمن في الحروب، تاركةً سوريا المريضة أمام مصير معلّق.
كريم الرحباني يحبّ تقلّبات الصدفة. ليس ضعفاً سيناريستياً كما تنصّ القاعدة الشائعة، بل لأنّها الحياة. الحوادث تقع فجأةً، من دون تخطيط أو تبرير. الفيلم القصير يحتمل حلولاً كهذه. في الوقت نفسه، هو مدعوّ إلى تفكير أكبر بتحوّلات مقصودة من داخل البنية في القادم. أيضاً، تغلب البساطة على أسلوبيته، إذ لا يمانع اللجوء إلى كثرة التقطيع في بعض المشاهد. مع تحضيره الهادئ لأوّل روائي طويل، تصبح الأسلوبيّة الأكثر تعمّداً ضرورةً وحاجةً، في مسيرة واحد من شباب السينما اللبنانيّة الواعدين بالكثير.



Trailer "CARGO" from Karim Rahbani on Vimeo.




Trailer "With Thy Spirit" from Karim Rahbani on Vimeo.