مهتدي الحاج، بكل ما يكوِّن شخصيته من عناصر عائلية واجتماعية ومجتمعية وفنية وأخلاقية، هو حُجّتنا. إنه المثال الأنصع للهدف الأسمى في نضالنا الذي أردناه من خلال الموسيقى. هذا لا علاقة له بمستواه في العزف على البيانو وما إذا كانت لدينا ملاحظات أو لا على أدائه في هذه الأمسية أو تلك. هذه مسألة أخرى، تُبحَث بتجرّد وبشكل علمي، ولا علاقة للعواطف بها. مناسبة الحديث عنه اليوم هو التكريم الذي يقام الليلة على شرفه مِن قِبَل الكونسرفتوار، وبرعاية وزارة الثقافة بعد فوزه بالمرتبة الأولى في مسابقة عالمية في العزف على البيانو الكلاسيكي في بودابست (المجر) قبل فترة.
هذا التكريم يردّ عليه مهتدي بتحية شكر فورية، إذ يكرِّم مكرّميه خلال الحفلة ببرنامجٍ من أربع مقطوعات، اثنتان منها للمؤلف المجري فرانز لِيسْت (1811 — 1886)، واحدة لفريدريك شوبان (1810 — 1849) وحركة من سوناتة لفرانز شوبرت (1797 — 1828).

ولد مهتدي الحاج عام 1987 في المريجة (ضاحية بيروت الجنوبية).
اجتماعياً هو ابن عائلة متواضعة الحال، أو بأقل تقدير ليست من العائلات التي يشكّل البيانو جزءاً ضرورياً من أثاث البيت. المجتمع الذي ولد ونشأ فيه، ليس غير داعمٍ للموسيقى فحسب، بل معارض لها شرعاً. في سنوات وعيه الأولى على الحياة، وجد مهتدي نفسه أمام كيبورد متواضع. وبعصامية وجهود وموهبة نادرة، خرق الجدار السميك الذي ولج منه إلى عالم العزف الكلاسيكي على البيانو، وبات من أبرز رموزه الشباب في لبنان اليوم.
بدون مبالغة، ما أنجزه أقرب إلى الأعجوبة. تعلُّم العزف عصامياً على الغيتار شيء، والعزف على البيانو شيء آخر. عزف البيانو على طريقة كلايدرمان (وأمثاله في الوطن والمهجر) التافهة والسطحية أمرٌ متاح لمن يرغب، لكن عزف باخ وموزار وبيتهوفن وشوبان ورخمانينوف ولِيسْت، هو من أصعب التحديات الموسيقيّة في تاريخ البشرية، وذلك تقنياً (الشوط الذي قطعه مهتدي إلى حدٍّ بعيد) وتعبيرياً (شق طريقه في هذا الاتجاه، لكن الدرب هنا طويل وضيّق).
بعد أمسيات عدة في لبنان، سافر الحاج السنة الماضية للمشاركة في مسابقة في بودابست واستطاع انتزاع المرتبة الأولى وتقدير الممتحِنين (ورسائل توصية من عازفين كبار)، بعد أداء مقطوعات عدة، على رأسها كونشرتو البيانو الثالث للروسي رخمانينوف الذي يعدّ ـــ على سلّم الصعوبة العامة (التقنية والأدائية) ـــ من الأعلى في الريبرتوار الكلاسيكي الخاص بالبيانو والأوركسترا.
بعدما عاد إلى لبنان، نال تقديراً وتكريماً من نقابة الموسيقيين، لكن ما لبثت وزارة الثقافة أن تلقفت الإنجاز، فارتأى الوزير غطاس خوري رعاية الأمسية التكريمية التي دعا إليها المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار)، الليلة في قاعة «بيار أبو خاطر». إذ يتخلل الحفلة تقليد المحتفى به وساماً تقديرياً. أما البرنامج الذي يؤديه الحاج، فيتألف من الحركة الأولى من السوناتة الأخيرة لشوبرت (D 960) والبالاد رقم واحد لشوبان (من أجمل وأصعب ما أبدعه شاعر البيانو البولوني/الفرنسي) بالإضافة إلى التمرين رقم 10 من العمل المسمّى «تمارين ذات صعوبة تصاعدية» (عددها الإجمالي 12، بالتالي الرقم 10 هو من أصعبها تقنياً) والرابسودي الهنغاري رقم 12 للمؤلف الذي يعشقه الحاج فوق الجميع، فرانز لِيسْت.
أخيراً، كلمة صادقة لبيئة مهتدي الحاج: من يرتل يصلّي مرّتين. من يعزف آلة يصلي ثلاث مرات. من يعزف بيانو يصلّي أربع مرات. من يعزف باخ وصحبه يصلّي خمس مرات… احتضنوا ابنكم بأهداب عيونكم. اتركوه يصلّي.

الثامنة والنصف من مساء اليوم ـــ «قاعة بيار أبو خاطر»، «جامعة القديس يوسف» (حرم العلوم الإنسانية / طريق الشام). الدعوة عامة.