«التقارير حول سارة وسليم» هو عنوان الفيلم الذي ظهر أخيراً للمخرج الفلسطيني مؤيد عليان بسيناريو شقيقه رامي عليان. كان عرضه الأول قبل أيام عندما اختير ليدخل المسابقة الرسمية في «مهرجان روتردام السينمائي»، ويكافأ بسخاء بجائزتين: الأولى جائزة الحكام والثانية جائزة الجمهور.
عندما شاهدنا فيلم عليان السابق «الحب والسرقة ومشاكل أخرى» (2015، عرفنا وقتها أنه بمثابة إشارة مشجّعة لمخرج واعد احتفينا به وشجعناه، قبل أن نصاب أخيراً بمرارة وخيبة أمل كبيرة تمثلت في فيلمه الجديد. عدا عن المقولة الممجوجة للفيلم النسوي حول الإنسانية، وخياراته الفنية التي يطول الحديث عنها، يستعين المخرج بممثلين إسرائيليين لإعطائهما أدوار بطولة؛ هما إيشاي جولان المجند السابق في جيش الاحتلال، وسيفان كريتشنر المعروفة أيضاً بمحاولاتها الغنائية، والتي أثناء انخراطها في فيلم عليان «الإنساني»، صدحت بصوتها (العذب) في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي خلال احتفالية «شهر عليا» (Le mois de l›Aliyah) التي تنظمها «الوكالة اليهودية للهجرة» كل عام في تل أبيب، احتفالاً بعودة اليهود إلى «أرض الميعاد»!
يتناول الفيلم قصة زوجين فلسطينيين فقيرين يعيشان في القدس «الشرقية»، سليم الذي يعمل سائق توصيلات (لعب دوره أديب صفدي)، وزوجته بيسان (لعبت دورها ميساء عبد الهادي)، إلى جانب زوجين اسرائيليين يعيشان في الشطر «الغربي»؛ دافيد الذي يعمل ضابطاً في الجيش الإسرائيلي، وزوجته سارة التي تعمل في مقهى.
يقع سليم الفلسطيني في علاقة جنسية مع سارة الإسرائيلية. يجتمع المحبان المحظوظان بانتظام في موقف للسيارات ليمارسا العلاقة في سيارة سليم، محصنين بالستائر، وبعيدين عن العيون العقابية للقدس. كل هذا سوف يتغيّر عندما يأخذ سليم عشيقته الإسرائيلية لمرافقته في مأمورية لتسليم بضائع في الجانب الآخر من الجدار، ليتوقفا بعدها في حانة في بيت لحم. يخرج سليم من الحانة للإجابة على هاتف زوجته، فتتعرض سارة ــ (البيضاء الشقراء) التي تركت في تلك البيئة الشرقية ـ لاعتداء من فلسطيني متحرش طبعاً. ينشأ عراك بين سليم والمتحرش، ليقوم الأخير بالتبليغ عن سليم. تتعقد الأمور وتنتهي باكتشاف العلاقة، ويتدخّل كل من المخابرات الفلسطينية وبعدها الإسرائيلية التي تعتقل سليم، فتحصل انعكاسات على حياة جميع الأطراف، من ضمنها الضابط الإسرائيلي الذي بات عمله في الجيش مهدداً بسبب حماقة زوجته، وبيسان الفلسطينية التي تكتشف خيانة زوجها. تقع سارة في ورطة تبرير العلاقة، تتهرب من مسؤولياتها، قبل القبض عليها من قبل المخابرات الإسرائيلية. تتصاعد الأزمة وتنتهي عندما يصحو ضمير العشيقة الإسرائيلية، وتشهد لصالح عشيقها الفلسطيني في المحكمة.

الفلسطينية اتكالية، والإسرائيلية مستقلة، والرجل الفلسطيني يائس، والإسرائيلي مثقف!


الإسرائيليون في فيلم عليان هم شخصيات وديعة طيبة وبريئة تحب الحياة. الضابط الإسرائيلي الذي يخشى على عائلته، مغرَّر به من قبل زوجته والفلسطيني. أما الزوجة الإسرائيلية فهي صاحبة قلب كبير، مستعدة حتى للتضحية بحياتها في سبيل شبان فلسطينيين يرشقون الحجارة؛ فتتصدى بيدها للرصاصة التي يطلقها زوجها تجاههم في مشهد بوليوودي من الدرجة العاشرة. هذا عدا عن التباين بين الفلسطيني والإسرائيلي، طبعاً لصالح الأخير الحداثي العلماني المتحضر. المرأة الفلسطينية اتكالية تزوجت مبكراً قبل أن تنهي تعليمها، تعتمد على شقيقها في المصاريف، محجبة ومشغولة دائماً بـ «ستايل» الحجاب، بينما الإسرائيلية مستقلة صاحبة مقهى، أنيقة ومنظمة وقادرة الاعتماد على نفسها. الرجل الفلسطيني فقير ويائس، متحرش، غير متعلم، يتنقل بين نقاط التفتيش، وبالرغم من كل ذلك، يقول «الحياة غير معقدة»، بينما الإسرائيلي مثقف ويستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية.
لن نسأل أنفسنا لماذا استعان عليان بممثلين إسرائيليين، وفي فلسطين ممثلون موهوبون يتحدثون العبرية بطلاقة. ولن نخوض في موضوع التطبيع ومعاييره التي تواجه ثغرات كثيرة. إذ إنّ التطبيع يهون أمام مقولة الفيلم التي تؤنسن المحتل وتطالبنا بالتعاطف معه، كأنه دعاية إسرائيلية مجانية. فاللعب على الوتر الإنساني بلغة يخيّل إلينا أنها خارجة من مخرج مستشرق يقف بسذاجة على الحياد بين «طرفي النزاع»، وهذا الجهد الكبير من «السلام والإنسانية»؛ نراهن على أنهما سيكافآن بسخاء من المهرجانات ودور السينما الأوروبية، وهما هبة ثمينة لـ «ضمير» اليسار الكولونيالي.
ربما الكلمات القليلة التي كتبتها كريتشنر («البطلة» الإسرائيلية) وهي تقف مع فريق الفيلم في «مهرجان روتردام» مرفقة بصور سيلفي على حسابها على الفايسبوك، هي بمثابة أفضل تلخيص للفيلم؛ حين علَّقت: «أرفع القبعة للأخوين عليان الشجاعين، ليس فقط لصنعهما فيلماً نسوياً فلسطينياً فقط، بل أيضاً لتعاونهما مع إسرائيليين»!
ولأن فيلم عليان يحمل خطاباً نسوياً واضحاً؛ نفهم في النهاية أنّ النساء هن الفائزات في هذه الدراما، ومن المثير أن نلاحظ أن سارة (الإسرائيلية) وبيسان (الفلسطينية) هما الوحيدتان اللتان لا تتكلمان نفس اللغة (العبرية)، ولكننا نكتشف في «النهاية الإنسانية» أنهما تشتركان في العواطف والأمومة، بغض النظر عن الوضع الاستعماري وعدم المساواة طبعاً. هذه النسوية الرخيصة التي تخرج من هذا التبادل غير المحتمل من «الإنسانية» بين اثنتين من النساء المنهارات والقويات في آن، ربما جعلت مخرجها ينسى أن حقوق المرأة الإسرائيلية تبدأ بالتحديد عندما تنتهي حقوق الفلسطينيين أجمع... النساء والرجال معاً!