«هل تعبت سماحة السيد من المهمات الملقاة على عاتقكم؟» كان هذا السؤال الأخير الذي طرحه الإعلامي سامي كليب أول من أمس في مقابلته المطوَّلة مع السيد حسن نصرالله ضمن برنامج «لعبة الأمم» على شاشة «الميادين». مقابلة لم يتوانَ فيها عن طرح الأسئلة «غير التقليدية» في حوار كان واضحاً منذ اللحظات الأولى أنّ معدَّه ومقدّمه أراد أن يحوّله إلى «فرصة» قد لا تتكرَّر مستقبلاً.
نجح كليب في جعل اللقاء من أكثر المقابلات التلفزيونية للسيد نصرالله رسوخاً في ذهن المشاهد رغم أنه تلقّى كمّاً هائلاً من الانتقادات التي وجهها إليه «جمهور السيد» نفسه عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحجّة أنه قاطع «ضيفه الكبير» مراراً!
هكذا إذاً، أطلّ السيد نصرالله بتوقيت القدس أولاً. وللمرّة الثالثة، يطلّ الرجل عبر قناة «الميادين» التي وضعت وسْمَ «القدس عاصمتنا إلى الأبد» في أعلى يسار شاشتها. نجحت القناة التي احتفلت أخيراً بمرور ألفين وسبعة عشر يوماً على انطلاقتها، في تكريس هويّتها وموقعها في الصراع مع إسرائيل في الوقت الذي تتّجه فيه قنوات عربية كبرى إلى الترويج لخطاب التطبيع مع العدو. في «الكادر» القريب، ظهر وجه السيد نصرالله باسماً وهادئاً معظم الوقت وخلفه صورة لحشود نصر آب 2006، فيما ظهرت في «الكادر» البعيد للكاميرا صورتان لكل من السيّدَيْن الخميني والخامنئي وستارة بنيّة اللون وباقتان من الورد فوق طاولة أنيقة وكلامٌ كثير ودَّ مقدّم البرنامج لو أنه لم ينتهِ رغم مدّة «اللقاء الاستثنائي» الطويلة التي قاربت ساعتين وأربعين دقيقة! من دون مقدّمات أو «مطوّلات»، بدأ كليب الحلقة في محاولة لطرح أكبر عدد ممكن من «الأسئلة الصعبة» على حدّ قول السيد نصرالله نفسه. وبدا صاحب التجربة الاعلامية الغنية والحائز أخيراً شهادة دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال، مُتحرِّراً من وهم الاستعراض في مقابلة «يحلم كثيرون بها» ويتابعها عدد قياسي من المشاهدين وأصحاب القرار السياسي في عواصم العالم.

كسر الصورة النمطية لمقابلاته التلفزيونية المليئة غالباً بـ «الرهبة»


للقدس المساحة الأكبر من المقابلة مع الرجل الذي لم تخلُ إطلالاته تاريخياً من الإشارة إلى قضية القدس وفلسطين التي شكّلت رافداً أساسياً لخطاب «المقاومة الإسلامية» في لبنان منذ انطلاقتها. كان يُفترض بالحلقة أن تبدأ من القدس تحديداً كما أشار كليب نفسه. لكنّ التطورات في الشارع الإيراني فرضت نفسها على «أجندة» الحوار المسجّل قبل ساعات قليلة من موعد بثّه فكانت البداية من سؤال: «هل احتفلت برأس السنة كما يحتفل العالم أو انك قلقت على ايران؟».
في الحلقة طرَح كليب عدداً من الأسئلة التي يعرف بحكم خبرته الطويلة أن «لا جواب عليها»، لكنه مع ذلك أصرّ على طرحها «لأنه يريد أن يقوم بواجبه المهني أوّلاً». قال السيّد لمحاوِره مُلاطفاً في معرض الرد على أحد اسئلته: «حقك تسأل بس بتتوقّع تاخد جواب؟». وعندما تحدث نصرالله عن أن «نقطة القوة الآن في المحور هي مئات الآلاف الجاهزين لخوض المعركة الكبرى»، قاطعه كليب بالقول: «مع إسقاط الطائرات؟»، فما كان من «السيد» إلا أن ردّ ضاحكاً: «إنت لاحقني عالطائرات؟». يُسجّل لسامي كليب أنه تمكّن بمهارة وحرفية أن «ينتزع» من السيد نصرالله إقراراً بوجود «مقاومة شعبية سورية وغير سورية في منطقة الجولان» رغم تحفّظ نصرالله على الإجابة في بادئ الأمر. يُحسَب للرجل أيضاً أنه طرح أسئلة تُطرَح للمرة الأولى من قبيل «لماذا لم تقاتل حركة أمل إلى جانبكم في سوريا» و«هل شكركم الحريري بعد عودته من الرياض» وغيرهما، وصولاً إلى سؤاله للسيد عن راتبه الشهري حيث لم يجد الأخير حرجاً في الإجابة على سؤال لم يوجَّه له من قبل أبداً. وحتى عندما طرح كليب «سؤالاً قد يبدو غريباً» عن «إمكانية الصلح مع إسرائيل» وعاد ليكرّره مرة أخرى، بدا كمن يريد أن يوثق كلاماً للتاريخ بصوت السيد حسن نصرالله في برنامج «لعبة الأمم» بالذات، فحصل على ما يريد أن يسمعه من الرجل: «لن نعترف بإسرائيل حتى لو اعترف بها كل العالم»!
هكذا إذاً انتهت الحلقة رقم 250 من «لعبة الأمم» بإثارة جدل كبير وواسع في أوساط المتابعين من الجمهور و«أهل الاختصاص» استطاع من خلالها سامي كليب كسر الصورة النمطية لمقابلات «السيد» التلفزيونية المليئة غالباً بـ «الرهبة». لكنّ «حلقات» لعبة الأمم الفعلية خارج «الأستديو» لم ولن تنتهي قريباً مع إشارة السيد حسن نصرالله في المقابلة ذاتها إلى «احتمالات الحرب الكبرى في المنطقة». لا يجد «الضيف الاستثنائي» متّسعاً من الوقت ليقرأ هذه الأيام: «مش عم نحمل كتب». يركّز أكثر على قراءة الدراسات والمقالات والترجمات من اللغة العبرية على حد قوله في المقابلة. ما هو مؤكّد أيضاً أنّ «دوائر الرصد والقرار» في «الكيان الإسرائيلي» نقلت المقابلة إلى «العبرية» لتدقّق كثيراً في كلام الرجل الذي لا يخطئ في اللغة العربية ويُفاخر بهويته العربية باعتبارها «انتماء ومجموعة قيم».




كتاب عن نصرالله


يرى الإعلامي سامي كليب (الصورة) أن مقابلته مع الأمين العام لحزب الله هي محطة أساسية في مسيرته الطويلة في عالم الإعلام التي بدأها قبل ثلاثين سنة تقريباً. يقول في حديث مع «الأخبار» إن «المقابلة مع السيد نصرالله كانت بمثابة تحدٍّ مع نفسي حيث تركتُ قناعاتي خارج الاستديو ومارستُ دور الصحافي احتراماً للمهنة مع الحفاظ في الوقت ذاته على احترامي الشديد لرجل أعاد كثيراً من كرامتنا العربية المفقودة». ويضيف: «كانت فرصة هائلة للقاء مع رجل يحلم كثيرون بمقابلته، لكنّي لا أجامل بل مارست في المقابلة كل تقنيات عملي بغض النظر عن الجبل الجالس أمامي». إلى ما قبل حلقة السيد نصرالله أول من أمس، فإنّ المقابلة الأهم في «لعبة الأمم» برأي كليب «كانت مع السفير الأميركي السّابق في سوريا روبرت فورد»، لافتاً إلى أهمية المقابلة التي أجراها مع الرئيس ميشال عون والتي «كانت آخر مقابلة معه قبل انتخابه رئيساً». يكشف كليب لـ «الأخبار» أنه بصدد إعداد كتاب عن السيد حسن نصرالله، متمنياً أن يجري قريباً مقابلات مع الرئيسين السوري بشار الأسد والروسي فلاديمير بوتين!