يبدو أنّ المخرج والكاتب اللبناني الكندي وجدي معوض (1968) يسير على خطى أمين معلوف وغيره من المثقفين الذي ينحازون للجلاد تحت رداء «الترويج للسلام والتآخي بين الشعوب». في عام 2003، قدّم مسرحيته «حرائق» التي جالت أهم خشبات العالم، وتقاسمت ثيماتها التراجيدية مع شعوب أخرى عاشت المآسي نفسها، بطرق وأساليب مختلفة... عمل خلط في السرد بين الماضي والحاضر، بين أهوال الحرب الأهلية، والأثمان الفردية التي تدفع خلالها، والأهم تقاطع أحداثها مع ما حصل مع المناضلة سهى بشارة، عندما حاولت اغتيال أنطوان لحد (1988).
ها هو معوض يقدم اليوم «كل العصافير» Tous les oiseaux (تعاون بين «جامعة تل أبيب» والسفارة الإسرائيلية في باريس)، الذي بدأ عرضه في 17 الجاري، على مسرح «لا كولين» (أحد المسارح الوطنية الستة في فرنسا)، الذي تولى إدارته معوض العام الماضي. عمل تعاون فيه المخرج اللبناني، مع المؤرخة اليهودية ناتالي زيمون دافيس، التي التقى بها في مطار تورونتو، وربطته بها علاقة صداقة، وبدأت المراسلات فيما بينهما عابرة للمدن: ليون، باريس، نانت، برلين الى حين تنفيذ هذا العمل، الذي لعبت فيه دافيس، دور «المستشارة التاريخية».
المسرحية ـــ استوحاها معوض ـــ من الأسطورة الفارسية، التي تحكي قصة عصفور برمائي، أراد التحليق للمرة الأولى، على ضفاف بحيرة، فأعجب بالأسماك داخلها، وأراد أن يسبح في هذه البحيرة.

مسرحيته تدعو إلى
التصالح مع اسرائيل «جامعة
تاريخ الشرق الأوسط وأوروبا»
لكن أصوات باقي العصافير كانت تمنعه وتقول له: «عالمنا سيقتلهم، وعالمكم سيقتلنا». وانتهت القصة في نهاية المطاف، بنزوله مع الأسماك مقرراً «الموت على العيش في الحياة التي يحياها». هكذا، تخلص الحكاية، إلى الاندماج مع من يختلفون عنا ويضحون كياناً واحداً، حتى لو كان ثمنها الموت. أراد معوض إيصال هذه الرسالة. لكن كيف؟ والى من؟
في حقيقة الأمر، ومع استعانة المخرج، بممثلين من جنسيات عربية وغربية مختلفة (ألمانيا، فرنسا، أميركا، «إسرائيل»، سوريا، كيبك، اليونان)، وتقديم العمل باللغات العربية، والألمانية، والعبرية مع ترجمة بالفرنسية، أراد إيصال رسالة بأن اللغة عابرة للحدود، وتزيل الحواجز، والأهم أنها تتقاطع مع «إسرائيل الأرض التي تجمع تاريخ الشرق الأوسط وأوروبا» كما يصفها بيان العمل. يسأل معوض نفسه مراراً كما نرى: «كيف نصف العدو؟»، هل هو «العصفور البرمائي»، الذي تجسّد في المسرحية مسائلاً حدود اللغة والجغرافيا؟ يخلص النص، الى الإشارة بأن الوقت حان اليوم، لمقاربة سردية «الآم العدو» ــ المقصود هنا «إسرائيل» ــ بعد التركيز على قصص الحرب الأهلية اللبنانية التي خبرها جيداً المخرج اللبناني وعاش نكباتها.
وبتجسيد هذا العمل الذي ضجت به أصوات عديدة على الشبكة العنكبوتية اعتراضاً واستهجاناً، يكون معوض، قد دخل الفلك المهيمن الصهيوني، وحاكى تجربة الكاتب أمين معلوف، الذي لم يجد حياء في الظهور على شاشات العدو، والحديث عن أعماله، ومؤلفاته، وسقط في فخ السردية الصهيونية، ودعايتها الإعلامية والأيديولوجية في «الإتحاد» مع الغير، وتصوير نفسها «ضحية» تجهد لاختراع قضية وتعمل على إيصالها بأشكال مختلفة.