عمان | قد تضع شمس النهار أوزارها على مظلّة «قهوة طه عطوان» في الكرادة في بغداد، الا أنّ طلة الفنان المسرحي والاكاديمي والممثل فاضل خليل، لن تعود على مسارات وشوارع وخشبات المسرح مرة أخرى. أول من أمس، غاب الفنان المعروف، وغابت رؤيته للعرض الكبير الذي يجري على أرض الرافدين.
غيبه الموت؛ وكان هذا ما يريده في وقت غاب فيه العراق عن حلم الفن المسرحي نتيجة تردي الأوضاع الأمنية والثقافية والاجتماعية. المسرحي الذي انطفأ عن 71 عاماً (1946 ـ مواليد محافظة ميسان)، ولد لعائلة بسيطة، فوالده كان حلاقاً ووالدته خياطة عباءات نسائية. انتقل مع عائلته إلى محافظة البصرة ثم إلى العمارة. بعد دراستهِ في المعهد العالي للعلوم المسرحية في بلغاريا في صوفيا، حصل على شهادة الدكتوراه في الإخراج والعلوم المسرحية عام 1985. ترأس قسم الدراما في إذاعة بغداد عام 1974 قبل أن يؤسس كلية الفنون الجميلة في جامعة الحديدة في اليمن عام 1998 - 1999 وكان أول عميد لها.
أخرج الراحل ما يقارب عشرين عملاً مسرحياً منها ما أثار زوابع، حاملاً راية الوعي والتنوير من بينها: مسرحية «تألق جواكان موريتا ومصرعه» من نصوص للشاعر الاسباني بابلو نيرودا، ثم عمل على مسرحية «الملك هو الملك» للراحل سعد الله ونوس. ثم جاءت مسرحيته «مائة عام من المحبة» ببعدها العربي والقومي التي حازت ثلاث جوائز في «مهرجان قرطاج المسرحي» في تونس عام 1996، بعد عرضها الاول في بغداد ومن ثم في عمان. وهي تشكّل ثلاثية مع مسرحية «في أعالي الحب» التي تعد من أبرز مسرحياته، وقد اكتمل قمرها مع مسرحية «سدرا» التي فازت بجائزة «التانيت الذهبي» في مهرجان قرطاج عام 2001. ومثلما أحبّ الإخراج، أبدع في التمثيل. وكانت له وقفاته على المسارح الجماهيرية ومشاركاته المبدعة في ثلاثين عملاً مسرحياً، أبرزها: «النخلة والجيران» (1969) التي كانت العامل الأكبر لشهرته في العراق، إذ اعتبرت المسرحية من الأعمال الفنية الكبيرة بسبب مشاركة عدد كبير من الفنانين الكبار في العراق فيها وكانت معدة عن رواية الكاتب العراقي الراحل غائب طعمة فرمان.

أكثر من استعمال الرموز في مسرحياته، هرباً من الرقابة

غياب فاضل خليل، أعاد الى الاذهان أدواره في السينما العراقية، اذ مثل أدواراً تراوح بين الثانوية والرئيسية في أفلام مهمة منها: «الحارس» (1967) الذي أخرجه خليل شوقي وكتب قصته المخرج الفلسطيني قاسم حول. كما شارك في بطولة فيلم «الرأس» (1976) للمخرج فيصل الياسري. وكانت له صولة مع المخرج المصري فؤاد التهامي في فيلم «التجربة» (1977). وجسد شخصية وطنية في فيلم «الأسوار» (1979) للمخرج الكبير محمد شكري جميل الذي يعد من أبرز افلامه.
ينتمي فاضل خليل إلى ما يسمّى في العراق بـ «الجيل الثالث» الذي تلا الجيلين الرياديين الهامين في المسرح العراقي. عاصر الكثير من التقلبات السياسية في العراق، مثل حرب الخليج الأولى، وحرب الخليج الثانية، وغزو العراق 2003.
حاول جيل فاضل خليل الموازنة بين النهوض بالتجربة المسرحية التي بدأها الرواد، وبين الظروف السياسية في العراق حيث الرقابة على حرية الرأي والتعبير. هكذا، لجأ إلى التكثيف من استعمال الرموز، وأخذ المسرح العراقي يتجه نحو الواقعية الرمزية. بالاضافة إلى هذا، واجه هذا الجيل ما سمّي في العراق بـ «موجة المسرح الهابط» التي بدأت بعد الحصار الاقتصادي الذي أعقب حرب الخليج الثانية. واعتمد فاضل خليل في هذه الفترة على استعمال أساليب المسرح التجريبي والواقعية السحرية أو الواقعية الخيالية وتوظيف الموروث الشعبي المحلي الذي استعمله في مسرحيات «الباب القديم»، «الشريعة»، «وخيط البريسم»، و«مواويل باب الاغا».
أجرى فاضل خليل العديد من الدراسات الأكاديمية حول ظاهرة تردي مستوى المسرح العراقي والعربي، وخلص إلى أنّ ذلك عائد إلى: غياب التخطيط العلمي، نقص الكفاءات، تدني الثقافة المسرحية، ضعف الكوادر، غياب الريبيرتوار، غياب المتفرج المساهم، غياب الناقد المتخصص، غياب التكنولوجيا، عدم تفرغ الفنان المسرحي، وقلة قاعات العرض ذات المواصفات الفنية العالية.
وكانت للراحل سلطته ومكانته في تاريخ المسرح الجماهيري في العراق من خلال «فرقة المسرح الفني الحديث» التي تأسست عام 1966، ومنها انطلقت أعمال اللجان الفنية والمسرحية العراقية التي انتشرت عربياً ودولياً وصولاً الى المؤتمر التأسيسي لاتحاد المسرحيين العرب في دمشق عام 1976. واجترح الراحل فكرة «مهرجان أَفلام وبرامج فلسطين» عام 1973 الذي بانت رؤاه القومية في الدفاع عن فكرة المهرجان. فاضل خليل التحق بعربة خيال الظل، تاركاً غبار الطرقات، ناعياً بغداد قبل أن تنعيه.