إنّ حريةَ التعبيرِ هي أيضاً حريةُ المساءلة. مساءلة الفنّان عن خياراته. كلّ خياراته. لقد انتقلَ زياد دويري، مع فيلم «الصدمة» (٢٠١٢)، من ضفّةٍ إلى أخرى. وهو انتقالٌ لا تمّحي آثارُه مع الزمن. فـ «الصدمة» ليس فقط فيلماً مصوّراً في «اسرائيل» مع ممّثلين وتقنيين إسرائيليين، بل هو فيلمٌ يحمل، في خياراته الإخراجية، منظوراً إيديولوجياً «إسرائيلياً» يسعى للتخفّي بديناميكيات الالتباس بين: من هي فعلاً الضحية ومن هو حقاً الجلّاد. ذلك قد يصلح في أمكنةٍ وأزمنةٍ أخرى، لكن ليس الآن، وليس في كيان لا يتخفّى البتّة لا في عنصريته ولا في همجيّته.

فمن يريد، مثل زياد دويري في هذا الفيلم، أن يجعلَ من الجلّاد شخصيةً ملتبسة، فليهتمّ ببلادٍ أخرى. نحن الآن في حرب وصراع، وليس لدينا رفاهية الالتباس التي هي، في العمق وفي هذه الحالة، موقفٌ إيديولوجيٌ يبيّض صفحةَ المجرم. وكونُ زياد دويري مخرجاً لبنانياً معروفاً، لا يعفيه مطلقاً من أيّ شيء، بل على العكس تماماً: علينا مساءلته «دوبل»: مرّة لأنه تعامل مع «إسرائيل»، ومرّة لأنه تعامل مع «إسرائيل» من موقعه كمخرجٍ لبنانيٍ معروف يحمل مسؤوليةً تجاهَ بلده وموقع بلده في العالم.