لا أعرف زياد دويري شخصياً، لم ألتقِ به يوماً. شاهدت له عملاً وبعض الصور، مع ذلك أدعي بأنني أعرفه جيداً، فهو ابن عائلة مناضلة أيام كان النضال من ذهب ليس لأنه يُربح، بل لأنه العميق الضارب في بطن الأرض المختبئ في الظل ولا تراه الشمس صاحبة السلطة على الكوكب. أعرف والده عبد الحفيظ دويري الذي كان رفيقاً لي في حزب البعث العربي الاشتراكي وكنا معاً نصدق كل كلمة باسم الحزب ونؤمن وقتها بأننا نحن جميعاً الأنبياء الصغار كما كتب الشاعر الكبير سليمان العيسى الذي كان هو كذلك في الحزب. أعرف والدته وفيقه منصور المناضلة الهادئة التي توحي بالثقة والثبات، أعرف أعمامه وأذكر منهم المحامي الأستاذ محمد خير دويري الذي كان قيادياً في الحزب. هذه هي البيئة التي تربى فيها السينمائي زياد دويري. لذلك قلت أعرفه جيداً.

كانت فلسطين زهرة عقولنا وقلوبنا، وكانت عائلة زياد في البيت تتنشق عطر فلسطين، لذلك قال زياد بأنه رضع فلسطين.
هل خان زياد شغفه الإنساني، هل راح يجد الجلاد ولا يدفن الضحية، هل خان زياد أشياءه الضرورية وجهازه الفني، هل أدار ظهره للنبل والكرم والصدق والالتزام بقضايا الإنسان والشعوب خاصة فلسطين، هل رأى أحد في أعماله السابقة ما يؤدي إلى هذه الظنون.
ذهب زياد إلى فلسطين المحتلة، مكث سنة إلا قليلاً تحت الاحتلال كما هي حال الفلسطينيين، أنجز عمله وعاد. هل رأى أحد الفيلم؟ ربما قليلون، مع ذلك بدأت حلفة الشتائم حيث العروبة تقيم في الشتائم والتسرع والعجلة من فرقة «العروبجيه» التي ما انفكت تخسر، مع ذلك ما زالت تحكي كأن العروبة سيارة تدهورت وما زال الراديو يشتغل بعدما سكت كل شيء.
إذا كانت المسألة مخالفة القانون، فليس زياد هو من يُسأل عن مخالفة القانون، بل زياد هو الذي يسأل. الفنانون الذين يبشرون بالحياة الجميلة، الفنانون الذين يمثلون ما تبقى من شرف العروبة والإنسانية، هم الذين يسألون الناس وحكامهم وصحافتهم، ماذا فعلتم حتى وصلنا إلى ما نحن فيه؟ يسألون بصوت عالٍ وترفع ماذا فعلتم بنا. آن الأوان لأن يسكت الكل بعدما أطفئت الإضاءة وبدأ فيلم زياد دويري.