دمشق | في بيت حلبي مسوّر بالطرب، ولدت الممثلة السورية المخضرمة ثناء دبسي (1941)، لتحتل قلعة المدينة الأثرية، مساحة واسعة من ذاكرتها وهامشاً خاصاً في علاقتها، بعاصمة الشمال السوري، التي احتضنت سنوات طفولتها ومراهقتها.
الشيفرة التي أسست للشخصية الشغوفة بالفن، كانت سهرات السمر التي تضيء ليالي العائلة البسيطة. كان والدها يتولى مهمة العزف على العود، بينما يعتلي خالها منصة الغناء. ذلك أكثر ما علق في ذهن نجمة «زمن العار» (حسن سامي يوسف ونجيب نصير ورشا شربتجي) من أيام الطفولة، إضافة إلى اللحظات الأولى لدخولها مدرسة الراهبات. هناك، تلمست درب الصعود إلى المسرح، ومواجهة الجمهور للمرة الأولى، واختبرت بطريقة بكر شعوراً غريباً للخوف الممزوج بالمتعة. كانت المدرسة تقيم دوماً حفلات يصدح فيها صوت ثناء التي تعلّمت الغناء وأحبته قبل التمثيل.
بعد سنوات، أتت النقلة الأولى في مشوارها: التقت بعرّابة سنوات الطفولة وهي مديرة المدرسة الخاصة التي انتقلت إليها وكانت تهوى الفن وتخصّص له هامشاً كبيراً في مدرستها. بتلك الحال، أتيح للطفلة الموهوبة ممارسة هوايتها في التمثيل والغناء أثناء سنوات الدراسة، مستفيدة من نشاط المسرح المدرسي. ثم خطت مع أختها الممثلة ثراء دبسي خطوة إضافية بالانتساب إلى فرقة «المسرح الشعبي» في مدينة حلب.

تثني على طريقة عمل
المخرج محمد عبد العزيز
قدمت الفرقة عروضاً جماهيرية جالت مدناً عربية مثل القاهرة وغزة. ثم كانت المفاجأة الكبيرة بالنسبة إلى العائلة المحافظة، عندما أخبرت ثناء والديها أنها تريد السفر مع أختها إلى دمشق لاحتراف الفن. رغم أن الخبر نزل مثل الصاعقة على العائلة، إلا أن الأب كان رجلاً متفهماً. وصل إلى اتفاق مع ابنته، التي جعلته يبارك خيارها، رغم أن المجتمع في ذلك الوقت كان يرى التمثيل عيباً لا يمكن لفتاة «محترمة» أن تقترب منه.
في دمشق، انتسبت لفرقة المسرح القومي، وقدمت العديد من العروض مع الجيل المؤسس للدراما السورية أمثال الراحلين رفيق السبيعي، ويوسف حنا، وعبد الرحمن آل رشي، وكانت تتسلّم من خلال شغلها المسرحي هذا مفاتيح المهنة، كأنها تخضع لورشات عمل مكثفة وتدريبات ممنهجة في واحدة من الأكاديميات المهمة والمختصة في فن التمثيل. أما تجربتها التلفزيونية الأولى، فقد كانت مع المخرج علاء الدين كوكش في مسلسل «حارة القصر». وفي زحمة العمل، التقت بالممثل والمخرج سليم صبري الذي ستجمعها به قصة حب تتوج بزواج، ومن ثم بعائلة نجمتها الممثلة المعروفة يارا صبري. تباعاً، أجادت دبسي لعب دور الأم بطريقة احترافية ومتنوعة، استلهمت من مشاهداتها اليومية وتفاصيلها الحياتية ردود فعلها وطريقة تعاطيها مع المشاهد. دأبت على التنويع في شكل ومعطيات الشخصية ولو كانت محكومة بقالب واحد بات يتكرر في الكثير من الأعمال. تركت بصمتها في أعمال حلبية للمعلّم هيثم حقي مثل «سيرة آل الجلالي» و«الثريا». كذلك، برعت في «ذكريات الزمن القادم» وما زال الجمهور يتذكرها في «غزلان في غابة الذئاب» لرشا شربتجي. إلا أن خصوصية دورها في «زمن العار» للمخرجة ذاتها، ظلت الأكثر عمقاً. في الآونة الأخيرة، أدّت دبسي دوراً رئيسياً في مسلسل «ترجمان الأشواق» (إخراج محمد عبد العزيز عن نص فيلم له، أعاد كتابته بشار عبّاس، وتنتجه المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزوني ــ سيعرض في رمضان المقبل). تلعب في هذا العمل دور والدة البطل نجيب (يؤدي شخصيته عباس النوري). عن هذا الدور، تقول لنا:
«ألعب هنا دور الأم المثالية التي تنحو بأدائها والشكل الذي بنيت عليه، لتكون معادلاً لسوريا. هذه الأم الكبيرة تحاول أن تلم أبناءها. تعيد من سافر، وتصالح من يزعل، وتبذل جهدها لتكون عائلتها تحت جناحيها».
من جانب آخر لا تترد النجمة المخضرمة في إبداء بعض القلق إزاء ازدحام المواسم بالأعمال، من دون قدرة الجمهور على التركيز على عمل واحد يحمل مضامين هامة، وتبدي اعجابها بالورق الذي قرأته، والطريقة التي عمل بها مخرج المسلسل محمد عبد العزيز، وتتمنى أن ينال الجهد الذي بذل قبولاً بين الجمهور.