يعتقد المخرج السوري عبد الغني بلاط، وهو صاحب اليد الطولى في نجاج الجزء الأوّل من مسلسل «دنيا»، أنّ هذه الشخصية لا يمكن أن تدخل زواريب دمشق في ظل الغليان، وأنّ هذا النوع من الكوميديا لن ينجح إذا اتّكأ على الأحداث الحالية التي أغرقت الناس في الألم. لهذا السبب، ولدواع مالية، رفض مخرج «المنعطف» شراكة عرفة في الكتابة عندما قرّرت استثمار أشهر كاراكتير قدّمته في حياتها، لتكون التجربة تمهيداً لتأسيسها شركة إنتاج مستقلة هي «الأمل للإنتاج الفني»، حسبما أعلنت في لقائها التلفزيوني الأخير ضمن برنامج «رايتينغ» (يُعرض «أبو ظبي» وmtv).
هكذا، افترقت عرفة عن بلاّط من دون أن يفسد للودّ والاحترام قضية، في حين تهاوى خلافها مع عمّار مصارع، المنتج المنفذ للجزء الأول والمساهم في كتابة بعض حلقاته، إلى مستوى وضيع. أما السبب، فهو اصطياده في الماء العكر، واتهامها زوراً بأنّها تقدم عملاً «سلطوياً» بذريعة واهية هي «قربها من النظام السوري»! وهي التهمة الجاهزة والمنتشرة سورياً من أجل ليّ الذراع (الأخبار 24/6/2015).
على أيّ حال، خرج المسلسل، بعدما ألّفته عرفة، وأعيدت كتابته بمنطق الورشة بينها وبين سعيد حناوي وزهير قنوع الذي تولى مهمة إخراجه.
تسير النجمة السورية في حيثيات «دنيا 2» ( يُعرض على «أبو ظبي»، و«الجديد» و«سما» و«تلاقي») بمحاذاة الحالة الإنسانية في الشام على خلفية الأحداث الدامية. إذ نجد أنّ الخادمة البسيطة التي كانت تتنقّل بين بيت وآخر بسبب مفارقات موغلة في كوميديا خفيفة الظل، عادت بالصيغة نفسها مع تراجع واضح في سوية التقاط النكتة وذكائها، بدءاً من طريقتها الإلقائية المتعجّلة لإخبارنا بمصير شخصيّات الجزء الأوّل، علّها تبرر سبب غيابهم بعدما مات قسم منهم، وتقدّم قسم آخر منهم في السن وسافر آخرون، أو صار بعضهم على قدر كبير من النجومية. لكن رغم محاولات المخرج الجادّة لضبط العمل وإيقاف اجتهادات وارتجالات ممثلتيه الأساسيتين عرفة وشكران مرتجى (الصورة)، وصيت نجومه الطاغي في الكوميديا، إضافة إلى شعبية الكاريكتيرات التي يجسّدونها، نجد أنفسنا غالباً أمام فراغ في الحدث الكوميدي الجاذب على صعيد القصص، إضافة إلى غرق تفاصيل الحلقات في موجات صراخ متتالية وتكرار مبالغ فيه لـ«إفيهات» من الجزء الأوّل. مبالغة تصل بالمشاهد إلى درجة يشعر فيها بنهاية الحلقة عندما يخبو صوت الصراخ والعويل والضحك المصطنع وردود الأفعال المبالغة. مع كل ذلك، وجدت عرفة متسعاً في قلوب الجمهور، على اعتبار أنّ الشخصية صُنعت بعناية فائقة قبل أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن. هذه المرّة، ساعدتها في تجنّب الهبوط موهبة أيمن رضا الاستثنائية، وحرفيته القديمة في الكوميديا، إلى درجة أنّه عدّل المزاج من خلال أدائه وخلق حالة خاصة وجديدة على العمل، رغم أنّ لهجة مدينة «يبرود» التي يوظّفها لمصلحة دوره، سبق أن استخدمها في الكثير من الشخصيات التي لعبها في مسلسله «بقعة ضوء». غير أنّها تبدو هنا في غاية المنطقية.