هي لحظات ثقيلة وحزينة خيّمت على لبنان أمس، طوي فيها أحد أدمى الملفات: قضية العسكريين المخطوفين الذين أضحوا شهداء رسمياً مع إعلان مطابقة نتائج فحوص الـ DNA. أعلن الحداد رسمياً، وكرّم هؤلاء في وزارة الدفاع ضمن مآتم مهيبة على وقع دموع ذويهم والموسيقى الجنائزية.
بعدها، انتقلت المواكب الى القرى الشمالية والبقاعية، وقبلها مرّ بعضها على ساحة «رياض الصلح»، حيث اعتصم الأهالي لأكثر من عامين في الخيمة المتواضعة مقابل مبنى «السراي الحكومي». كل هذه المسيرة تابعتها القنوات اللبنانية منذ ساعات الصباح الأولى، عبر النقل المباشر من وزارة الدفاع وبتعليق من المذيعين/ ات في الاستديو ومن المراسلين المتواجدين هناك، ومن آخرين توزعوا على القرى التي استقبلت جثامين الشهداء من «فنيدق»، الى «شمسطار»، و«يونين» وغيرها.
الوقع الأكبر والأشد إيلاماً كان بادياً على أفراد عوائل الشهداء الذين حضروا تكريم أولادهم من قبل المؤسسة العسكرية، وأيضاً على آخرين فقدوا أبناءهم في معارك مختلفة منها «معركة نهر البارد». وكما امتهن هذا الإعلام وتحديداً الإلكتروني منه، الرقص على آلام هؤلاء، والتسابق على إعلان استشهاد العسكريين حتى قبل نقل رفاتهم الى «المستشفى العسكري»، من دون الوقوف حتى على مشاعر ذويهم، وكما اقتحمت الكاميرات التلفزيونية خيمة الأهالي لدى زيارة اللواء عباس إبراهيم لهم لإعلامهم بالخبر الفاجعة... تابع هذا الإعلام ــ وقبيل أيام من موعد التشييع ـــ اقتحام خصوصيات الأهالي وتعقب منازلهم، والتقاط لحظاتهم القاسية والحزينة في انتظار جثامين أبنائهم.

موقع mtv نشر خبراً على طريقة «حزر فزر»: ماذا تركت زوجة الشهيد محمد يوسف في مدفنه؟

قصدت هذه العدسات القرى مسقط رأس العسكريين، ودخلت بيوتهم المتواضعة والفقيرة، ولم تتوان عن استراق دموعهم واستصراح أطفالهم اليتامى، و«تسليع» دموعهم البريئة على الهواء. وهذا الأمر رأيناه أيضاً في التغطية التلفزيونية أمس، عبر مجموعة من الأسئلة العشوائية والسطحية التي رميت هنا وهناك، في تغييب تام لأي احترام لشعور العوائل، خدمةً لـ «تعبئة الهواء»، وتعبئة عدد ساعات البث المباشر التي عادة ما تجذب المشاهد للمتابعة، مع تسجيل عدد من أقارب الشهداء الذين رفضوا بشكل قاطع الحديث عن الشهداء.
بدا الإعلام أمس، كمن يشحذ تفاصيل خاصة من الأهالي ليحولها الى سكوب صحافي، وصولاً الى قبور الشهداء. على موقع mtv مثلاً، نشر خبر على طريقة «حزر فزر»: «ماذا تركت زوجة الشهيد محمد يوسف في مدفنه؟»، ليتبين أنّ أرملة الشهيد تركت له وردة داخل قبره. أما lbci، فقد دعت المشاهدين على طريقة «ما يطلبه المشاهدون»، بأن ينهالوا باتصالاتهم الهاتفية على المحطة ليدلوا بآرائهم حول الحدث الجلل. عشوائية واضحة في الأداء، وأيضاً خروج عن أجواء المناسبة الأليمة التي تفترض تعاملاً مختلفاً معها.
أما قناة «المستقبل» التي بدورها عنونت تغطيتها «شهداء الوطن»، فلم تحترم هذه المناسبة. راحت تفتح هواءها للهجوم على «حزب الله»، واعتبار معركة «جرود عرسال» التي قام بها «جزءاً من مشروعه الفئوي وحربه في سوريا»... وكل هذا الهجوم تزامن مع عرض لمشهدية تشييع الشهداء في الاستديو!
في الخلاصة، استثمر الإعلام طويلاً في هذا اليوم الحزين، وأعاد الاستثمار مجدداً في دموع وآلام عوائل الشهداء، وحوّل أحزانهم الى أخبار عاجلة أو سطحية، من أجل استقطاب المتابعين. الدماء التي روت جرود عرسال، لعسكريين ذبحوا على يد التنظيمات الإرهابية، كانت تستحق تغطية مهيبة بعيداً عن لغة السبق وأرقام المشاهدة.




عروس «النصرة» على otv

خلنا أنّ زمن كارول معلوف انتهى. «الإعلامية» اللبنانية صعد نجمها في السنوات الأخيرة، وعرفت بصلتها الوثيقة بجبهة «النصرة»، وتاجرت أيضاً بمقابلة أجرتها مع الأسرى السابقين لحزب الله، وهم تحت الاعتقال التكفيري... في تلك الفترة، استحالت معلوف وجهاً تلفزيونياً تناتشت عليه بعض القنوات، قبل أفوله أخيراً مع دحر الجيش والمقاومة للجماعات التكفيرية من «داعش» و«النصرة»، وكشف مكان وجود رفات العسكريين الشهداء. وها هي otv تسعى اليوم الى تعويمه من جديد، من خلال استضافة معلوف (غداً ـــ 22:00) على شاشتها ضمن برنامجها السياسي الحواري «بالمباشر» (تقديم رواد ضاهر). لحظة حساسة بعيد تشييع الشهداء إلى مثواهم الأخير، تستغلها المحطة لتخرج معلوف من جديد الى الضوء، بعدما فقدت كل مقومات الصدقية وحتى أصدقاءها في «النصرة».