في ظل التهديد المتزايد الذي يشكّله «تنظيم الدولة الإسلامية» على مختلف دول عالم، بدأ صنّاع الدراما ينقلون تفاصيل متعلّقة بهذا التنظيم الإرهابي إلى الشاشة الصغيرة. في رمضان الماضي، راهنت شبكة mbc السعودية على مسلسل «غرابيب سود» (تأليف لين فارس، وإخراج حسام الرنتيسي وعادل أديب وحسين شوكت) الذي يتناول وحشية «داعش» وممارساته.
لكن حالما بدأ العرض، علت الأصوات المنتقدة، فيما انقسمت الآراء بين مؤيد وجد فيه «تصويراً لواقع قاسٍ» ومعارض اعتبر أنّه يفتقر إلى «العمق في المعالجة»، والأهم أنّه صبّ في خانة البروباغندا السعودية لإبعاد تهمتي «رعاية الإرهاب وتصدير الفكر الوهابي» عن المملكة!
تزامناً، كان مشروع درامي آخر يُطبخ على نار هادئة في بريطانيا. إنّه The State (الدولة ــ بطولة سام أوتو، وأوني أوهيارا، وشافاني كاميرون، ورايان ماكين) الذي كتبه وأخرجه البريطاني بيتر كوسمينسكي (1956)، وانطلق عرضه يوم الأحد الماضي عبر قناة Channel 4، قبل أن يتمكّن الجمهور من مشاهدته عالمياً قريباً عبر شاشة «ناشونال جيوغرافيك». في مشهد لا يختلف عمّا جرى في العالم العربي، أحدث المسلسل القصير (mini series) المؤلف من أربع حلقات بلبلة كبيرة في بريطانيا منذ اللحظات الأولى لكشف النقاب عنه، إذ تحوّل إلى «حديث الساعة»، إعلامياً وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. عبّر مشاهدون عن «اشمئزازهم من محتوى» العمل الذي يتتبع أربعة بريطانيين مسلمين يهربون إلى الرقّة في سوريا للقتال في صفوف «الدولة الإسلامية». أما صحيفة «ديلي ميل»، فاتهمت العمل بـ «تلميع صورة «داعش»، لا سيّما في ظل الاعتداءات الإرهابية المتنقلة التي تشهدها أوروبا ويتبناها هذا التنظيم».

يتتبع شباناً بريطانيين يلتحقون بالتنظيم الإرهابي في الرقة
أبرز الأصوات المعارضة، كانت بيثاني هينز، ابنة عامل الإغاثة البريطاني ديفد هينز الذي قطع «داعش» رأسه عام 2014، وكانت قد طالبت عبر «ديلي ميل» بتأجيل العرض: «آخر ما تحتاجه عائلات ضحايا «الدولة الإسلامية» هو مسلسل يتناوله، وهم الذين تمزّقت أسرهم بسببه».
في المقابل، اعتبر بعض روّاد السوشال ميديا أنّ قرار «القناة الرابعة» خوض هذه التجربة «جريء جداً»، ثم أعلن تشارلي وينتر، الباحث في «المركز الدولي لدراسة التطرّف» (ICSR) في «كلية كينغز» في لندن، تأييده لما شاهده. صحيفة الـ «غارديان» البريطانية نقلت عن الأكاديمي الذي شارك في دراسات عدّة عن «داعش» قوله إنّه «من الواضح أنّ العمل سبقه بحث طويل. أنا معجب جداً به». في معرض حديثه عن الحلقة الأولى، يؤكد وينتر أنّ هناك «كمية كبيرة من المشاهد المأخوذة من بروباغندا «الدولة الإسلامية». من الواضح أنّ الباحثين شاهدوا كمّاً هائلاً منها ليتمكنوا من إنجاز عمل واقعي قدر المستطاع»، معتبراً أنّ الهجوم الذي طال The State «مضحك بعض الشيء. من الضروري أن ندرك أن هؤلاء مجرمون ارتكبوا أشياء سيئة، لكنّهم لا يزالون أشخاصاً... إذا كان ذلك يولّد نقاشاً أكثر دقة وأقل عاطفية، فأعتقد أن هذا شيء جيد».
كلام تشارلي وينتر عن الأبحاث، يتوافق مع ما سبق أن صرّح به بيتر كوسمينسكي حول «دراسات معمّقة استغرقت أكثر من عام ونصف العام لكتابة قصة تسلّط الضوء على عالم غير معروف ولا يمكن تخيّله». وأوضح صاحب Wolf Hall و Bring Up the Bodies أنّ البحث «شمل مقابلات مع ناس عملوا تحت راية «داعش» قبل أن يعودوا إلى بريطانيا»، وفق ما ذكر موقع «راديو تايمز». في هذا السياق، تشير مديرة قسم الدراما في Channel 4، بيث ويليس، إلى أنّ The State «مشروع درامي حقيقي يمكّننا من مواجهة موضوع مُلح وخطير، وطرح الأسئلة»، كما ترى أنّه على مدى الحلقات المتبقية التي ستعرض خلال الأسبوع الحالي، «سيغوص المسلسل في الواقع القاسي الذي يواجهه المقاتلون البريطانيون الملتحقون بالتنظيم في سوريا، لكن من دون أن يشجّع آخرين على السير على الطريق نفسها...».
في الوقت الذي ظهرت فيه آراء إيجابية حول المسلسل، على رأسها وصفه من قبل الـ «غارديان» بأنّه «ذكي، وجذّاب»، ستحسم الحلقات المبتقية (عُرضت الثانية أمس الثلاثاء) إذا ما كان The State يقدّم رواية متخيّلة قريبة من الواقع أم أنّه مجرّد بروباغندا من نوع آخر!؟