«لأن القصص التي لا تروى تصبح ملكاً لأعدائنا»، عبارة خطّتها المخرجة يارا أبو حيدر في مستهلّ فيلمها «عدنا لنروي» (إعداد وإخراج يارا أبو حيدر ــــ تصوير حازم مجذوب ـــــ مونتاج أيمن عليّان ــــ صوت علي دغمان).
الشريط الوثائقي الذي يعرض بعد غد الأحد على «الميادين» (من إنتاج القناة)، يعيد سرد قصص خمسة مقاومين/ات، أسروا وخرجوا من معتقلاتهم أكان داخل الأراضي اللبنانية أو داخل فلسطين المحتلة. قصص هؤلاء الأبطال الذين نفّذوا عمليات نوعية، تعيد إحياءها المخرجة اللبنانية، على ألسنتهم، وضمن يومياتهم. تدق باب الذاكرة الجماعية اللبنانية والعربية، وتعيد الى الضوء هذه العمليات العسكرية من سوريا الى لبنان وفلسطين، وتستذكر أبطالها الذين استشهدوا، ومن بقي منهم حياً اليوم.
محمد رمضان (الطريق الجديدة)، كفاح عفيفي (مخيم شاتيلا)، أحمد الأبرص (مخيم اللاذقية - سوريا)، مصطفى حمود (عملية كفركلا)، أنور ياسين (عملية جبل الشيخ). خمسة أسرى سابقون، جمعتهم بندقية المقاومة ومقارعة «إسرائيل». عدسة كاميرا يارا أبو حيدر، وثّقت قصصهم ويومياتهم، من خلال لقطات عفوية ورشيقة، تاركةً لهم صناعة المشهدية الأخيرة للوثائقي، من دون أيّ تدّخل أو تصنّع لهذه المشاهد.

انسيابية في المشاهد البصرية وسرد الحكايا، عبر خيط جمع عذابات هؤلاء الأسرى


خمسة مقاومين من مشارب أيديولوجية مختلفة (جبهة التحرير الفلسطينية -حزب الله - الحزب الشيوعي...)، جمعت خيوطهم أبو حيدر، من قلب «الطريق الجديدة»، مروراً بـ «مخيم شاتيلا»، وصولاً الى الحدود اللبنانية - الفلسطينية، واللاذقية السورية: من الأبرص الذي بقي البطل الوحيد الحيّ من عملية «نهاريا» (1979)، التي نفذها مقاومون أربعة، استُشهد منهم اثنان، وأسر الشهيد سمير القنطار والأبرص وقتها، الى كفاح عفيفي، التي كانت أصغر أسيرة في «معتقل الخيام»، والناجية من مجزرة «شاتيلا»، تعود في هذا الفيلم، متجولة في المخيم مع أطفالها، بالنبض عينه الذي رافقها في الثمانينيات، في مقاومة المحتل الصهيوني. عفيفي التي كانت من ضمن بطلات فيلم «أرض النساء» (2003) للمخرج الراحل جان شمعون، تطل في هذا الشريط، كمناضلة لم تنطفئ شعلة المقاومة داخلها، رغم خسارتها أفراد عائلتها، ومصاعب الحياة اليومية. مصطفى حمود، يعود بخطاه الى «بوابة فاطمة» (كفركلا)، أمام الصورة العملاقة للاستشهادي عبد الله محمود عطوي (الحرّ العاملي). يعود الى عام 1988، تاريخ تنفيذ هذه العملية الجهادية، ومرافقته للاسشهادي قبل تناثر جسده بقافلتين صهونيتين، وتلقّي «إسرائيل» ضربة قاسية في ذاك التاريخ، ليحكي أيضاً تجربته كعميل مزدوج بين المقاومة والاحتلال، وكأسير مرّ بمراحل تعذيب قاسية، تتقاطع مع تجارب باقي زملائه في الفيلم. أما الأسير المحرر أنور ياسين، فيأخذنا معه الى «جبل الشيخ»، الى عملية «الشهيد جمال ساطي»، في رحلة شاقة نظراً إلى طبيعة المنطقة الصخرية. يعيد سرد عملية أسره، ويوجه تحية الى المناضل الراحل كمال البقاعي. خمسون دقيقة لقصص خمسة مقاومين، صوِّروا بلقطات عفوية وبسيطة، تشبه أحوالهم وحيواتهم. قصدت المخرجة استخدام هذه التقنية كما تقول لنا، لتظهّر «روحية هؤلاء الأشخاص»، أكثر من المعلومات والأفكار التي يدلون بها. ركزت الكاميرا على تفاصيل حياتهم ولباسهم المتواضع، لتقول لنا إنّ هؤلاء لا تعنيهم حياة الترف، وهم كغيرهم يرزحون في دوامة مصاعب هذه الحياة. يتضامنون مع رفاقهم الأسرى في سجون الاحتلال، ومع إضرابهم عن الطعام الذي استمر 14 يوماً. المتابع لهذا الفيلم، تتظهر أمامه هذه الانسيابية في المشاهد البصرية، وفي سرد الحكايا، عبر خيط واحد جمع عذابات هؤلاء الأسرى، ورفقة السلاح في وجه عدو واحد «إسرائيل». تتضح أكثر خياراتهم التي ظلت ثابتة وراسخة طيلة هذه السنوات، رغم اختلافاتهم الفكرية: «الناس يتشابهون ولو كانت المقاومة في كل منهم مساراً مختلفاً»، تضيف أبو حيدر في حديث مع «الأخبار». الهمّ الأساسي للأخيرة كان توثيق اللحظة، واليوميات العادية لهؤلاء، كي «يراها المشاهد بطريقة غير عادية».
«عدنا لنروي»، عودة الى زمن البطولات والمقاومة، بعدسة تولي أهمية قصوى للحفظ والذاكرة، عبر إعادة السرد، وبثّ روح نضالية جديدة، بعد مرور أكثر من عقدين على قصص الاعتقال ومواجهة العمالة، والسجانين. «عدنا لنروي» يخطّ طريقه من اللاذقية الى «شاتيلا» وصولاً الى «بوابة فاطمة»، راسماً وحدة السلاح والكفاح، بألسنة وتفاصيل حيوات أسرى سابقين، واقفين على عتبة رفاقهم الراحلين عن هذه الدنيا، وعلى حنين الى فترة الاعتقال رغم مرارة هذه المرحلة. وأيضاً يضعون نصب أعينهم المستقبل، المتمثل أيضاً وأيضاً في مقارعة «إسرائيل»، وأدواتها، عبر روح يبثونها في نفوس أولادهم وأحفادهم من بعدهم.

«عدنا لنروي» بعد غد الأحد ــــــ 21:00 بتوقيت بيروت على شاشة «الميادين»