تونس | في ظل كثرة المسلسلات التونسية في رمضان 2015 وجرأة المواضيع، لم يخلُ المشهد من أصوات الغاضبين والمنتقدين. ثلاث حلقات فقط كانت كافية ليطالب ناشطون على فايسبوك بإيقاف بثّ مسلسل «حكايات تونسية» (سيناريو وإخراج ندى المازني حفيظ) الذي بدأت قناة «الحوار التونسي» عرضه نهاية الأسبوع الماضي.
هذا المسلسل هو الأوّل الذي تخرجه ندى المازني بعدما أنجزت فيلماً يحمل العنوان نفسه، وقدّمته عام 2011 في مهرجان «أيام السينما الأوروبية» في تونس. يومها، رفضت وزارة الثقافة دعمه بسبب «ضعف السيناريو».
المسلسل جمع في الأدوار الأولى كلاً من محمد إدريس، ولطفي العبدلي، وعلي بنور، وتوفيق الجعايب، ومريم بن حسين، ومريم بن مامي، ومرام بن عزيزة، وشهرزاد عمور، وخالد هويسة، إضافة إلى أسماء بن عثمان. وهو تجربة جديدة في الإنتاج أيضاً، إذ تشارك فيه ثلاث شركات. يتناول العمل الدرامي مجموعة من القضايا عبر «حكايات تونسية»، وفيه قدر من الجرأة لم يتعوّدها المشاهد التونسي. جرأة فاقت حدود «السقف» الذي عرفه التونسيون في مسلسلات سابقة مثل «مكتوب» و«ناعورة الهواء» و«أولاد مفيدة». ومن بين القضايا التي يطرحها الدعارة، والمخدرات، والمثلية الجنسية، فضلاً عن «جهاد النكاح»، وهي الفضيحة التي ستظل تلاحق حكومة الإسلاميبن وحليفَيْهما منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر بعد تورطهم في تشجيع الشباب على السفر إلى سوريا في إطار شبكات منظمة عبر ليبيا وتركيا. ويطرح المسلسل حكايات صادمة منها إغراء بنت لعشيق أمها!
اللافت أنّ مسلسلات رمضان التونسية لهذا العام تجاوزت كل الممنوعات، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل في الشارع، حتى أنّ بعض السياسيين ورموز الحركة الديمقراطية اعتبرها «تشريعاً للتيارات الدينية المتطرفة». فمشاهد الكحول في سهرات رمضان، والقمار، والإنجاب خارج الزواج، والخيانات الزوجية، والاغتصاب، والمخدرات، مرفوضة بالنسبة لكثيرين رغم أنّها موجودة في الواقع. الجدل الذي أثاره «حكايات تونسية» يشبه ذلك الذي ولّده مسلسل «أولاد مفيدة» الذي تبثه قناة «الحوار التونسي» وهو من تأليف وإخراج مالكها سامي الفهري الذي أكد أنّ قصص المسلسل «مستمدة من الواقع التونسي»، كما أنّه استلهمها من «حكايات المساجين الذين التقاهم خلال العام الذي قضاه في السجن على خلفية قضية فساد. والمسلسل من بطولة زهيرة بن عمار، وهشام رستم، وعاطف بن حسين، وغيرهم. ويقدّم صورة صادمة عن الواقع التونسي المسكوت عنه، تشمل الإنجاب خارج إطار الزواج، والمخدرات، والانحراف، وتشرد الأطفال، وكل ما يتصل بالعالم السفلي. أما على القناة التاسعة التي تدخل المنافسة الرمضانية للمرّة الأولى، فقد شاهد الجمهور مسلسل «ليلة الشك» لمجدي السميري. وهو العمل الدرامي الأوّل لهذا للمخرج الشاب، ويتطرّق إلى مجموعة من القضايا الاجتماعية بجرأة بالغة تتمحور حول العلاقات الزوجية، و«فيروس الشك» الذي يطاول حتى العلاقات ضمن العائلة الواحدة، مثل شكوك الزوج حول علاقة بين زوجته وشقيقه!

يظهر «ناعورة الهواء 2» التداخل بين السياسة والإعلام وغياب الاستقلالية

أما «ناعورة الهواء 2»، فيقدّم لوناً آخر من الحياة التونسية في السنوات الأخيرة، خصوصاً التداخل بين السياسة والإعلام، وتورّط الإعلام في التمويل المشبوه والدعاية السياسية وغياب الاستقلالية، ومافيا المال التي تتحالف مع السياسيين. ولم يخلُ العمل من المشاهد «الصادمة» التي سبق أن تحدّثنا عنها، ولطالما اعتبرت تابوهات في الدراما التونسية، قبل أن يقدّم سامي الفهري في 2009 مسلسل «مكتوب».
من جهتها، لم تغب قناة «حنبعل» عن المنافسة في شهر الصوم، إذ وقع اختيارها على مسلسل «الريسك» للمخرج الشاب نصرالدين السهيلي وهو أيضاً أوّل عمل درامي له بعد ثلاثة افلام: «شاق واق»، و«مر وصبر»، و«بوتليس». واصل السهيلي سيره على الخط نفسه الذي عُرف به كمناضل يساري اشتهر بالبيضة التي ألقاها على وزير ثقافة حكومة الإسلاميين مهدي مبروك. يقدّم المسلسل حكايات من زمن الديكتاتورية، بينها عنف قوات الأمن، والتعذيب في أقبية وزارة الداخلية، والتنصّت، ومحاصرة الحرّيات، وانتشار التشدّد الديني.
في سابقة هي الأولى من نوعها في تونس، تشهد الشاشات المحلية وفرة في الإنتاج الدرامي عبر خمس مسلسلات. وقد رافق ذلك وفرة في الأعمال الكوميدية، إذ نجد الكثير منها إضافة إلى برامج الكاميرا الخفية وعلى رأسها برنامج «الطيارة» (قناة التاسعة) الذي سرق الأضواء من منافسيه، بعدما «ورّط» سياسيين ونجوم إعلام وأدب ورياضة وفن في مواقف لاكتشاف ردود فعلهم في لحظات الخوف من سقوط الطائرة التي يستقلونها والوقوع أسرى في أيدي ميلشيات ليبية (الأخبار 22/6/2015). تزامناً، واصلت قناة «نسمة» للعام السادس على التوالي بث سلسلة «نسيبتي العزيزة» التي فقدت هذا العام الكثير من شعبيتها. شكّلت «نسمة» استثناءً في بث أعمال عربية، إذ تعرض «تشيلو» لنجيب نصير وسامر البرقاوي، و«أبواب الريح» (كتابة خلدون قتلان، وإخراج المثنى صبح)، لكنّهما لا يحظيان بالشعبية نفسها مقارنة بالأعمال المحلية.
هذا العام، نجد أيضاً أعمالاً هزلية مثل «سكول 2»، و«دار العزاب»، و«بنت بوها»، و«حالة عادية». وتترجم هذه الكثافة في الإنتاج انخراط الشركات الخاصة في هذا السوق بعد تعدد الفضائيات التونسية. غير أنّ غزارة الإنتاج هذه ما زالت محل نقاش وجدل حول مستوى الجودة. يعتقد عدد من الممثلين والمخرجين والنقاد أنّ الإنتاج التلفزيوني ما زال في مرحلة العشوائية والهواية في مستوى ظروف الانتاج ومضامينه.