ما الأخطار التي تتهدد بوذيّي بورما كي يشعروا بأنهم في حاجة إلى حماية، وإلى بناء حائط من الجماجم لحماية قطاع من الشعب أو لقتل الآخر، بحسب تعبير أحد الناشطين المشاركين في معاداة مسلمي البلاد!؟ فرنسس ويد صحافي متخصص في شؤون المنطقة والتاريخ، يقول إن المرء في حاجة إلى دراسة تاريخ البلاد وتكوّن المجتمع أو المجتمعات البورمية كي يستوعب كيف تحولت البوذية ـ تلك الديانة السلمية ـ إلى مشجعة على العدوان والقتل، وكيف أضحى الكهنة البوذيون أكثر القطاعات تطرفاً يشاركون في عمليات قطع رؤوس المسلمين من الروهينغيا، ونهب أموال المسلمين وحرق قراهم، بل حتى مطاردتهم وملاحقتهم وطردهم جماعياً من البلاد!
في كتابه «عدو ميانمار الداخلي - العنف البوذي وصناعة الآخر، المسلم» (زد بوكس ـ 2017 ـــ Myanmar›s enemy within: buddhist violence and the making of the muslim other)، يشير الكاتب إلى أن بداية التواجد الإسلامي في ما يعرف حالياً ببورما/ ميانمار، يعود إلى القرن الخامس عشر مع تمدد الإسلام شرقاً عبر الهند، حيث وصل إلى جنوب شرقي آسيا.

لكن المشاكل الحقيقية بدأت ـ كما هو متوقع ـ مع حلول الاستعمار البريطاني في عام 1885 الذي لم يترك بقعة من بقاع العالم إلا وأنزل فيها مشاكل لا تحصى، تحصد ملايين الأرواح البريئة على نحو مستمر، وفق النظرة المريضة «فرّق تسد» -- شعار الاستعمار البريطاني المهووس إلى درجة الجنون بالعرق: «كي تسيطر على ثقافة شعب ما، عليك السيطرة على أدوات تعريف ذاتهم بالعلاقة مع الآخرين».
لقد عمل الإنكليز على تسييس الإثنية حيث أضحت عامل تفريق بدلاً من عنصر تقارب. فقد استعان بالمسلمين البنغال ضد البوذيين، وشجع على هجرتهم لأنهم كانوا عمالة مهرة ورخيصة، وعملاء موالين لأسيادهم الإنكليز. هذه الهجرة أوصلت عدد الهنود في العاصمة رانغون في عام 1931 إلى نحو ربع مليون مقابل 128000 بورمي أو بماري.
كما كانت أكثر من نصف حقول الأرز ملك هنود غير مقيمين في البلاد.

عسكر
البلاد ساهموا في إذكاء المشاعر العصبية


العداء الواسع الذي اندلع وقتها ضد المسلمين كان ــ وفق الكاتب ــ بسبب عدم قبول الأخيرين الاندماج في المجتمع، على عكس الهندوس.
يتابع الكاتب التطورات في المنطقة بتفاصيلها المثيرة، ويوضح أنّ الانتفاضات المتتالية في إقليم راخين، الواقع في غربي البلاد، والمتاخم من الشمال لبنغلادش، إضافة إلى انتفاضات المسلمين في المنطقة التي طالبت بضم المنطقة إلى ما كان يعرف بباكستان الشرقية، زادت من التباعد بين الفريقين. مع ذلك، فإن الكاتب يشير إلى أن المسلمين ساهموا في نشوء البلاد ولم يكن هناك من أثر للصراع حتى مجيء الاستعمار البريطاني وسياساته القومية السقيمة. يؤكد الكاتب في الوقت نفسه أن المسلمين في البلاد شكلوا جزءاً من السلطة وعملوا على بناء المساجد هناك لدعم اللحمة الوطنية، بل إنّ حملة الأقواس والسهام شكلوا القوة الأساس التي دافعت عن بلاط مروك يو بدءاً من القرن السابع عشر، إضافة إلى أن أحد حكام العاصمة القديمة أمرابورا كان مسلماً.
لكن العامل الأكثر حسماً ـ برأي الكاتب ـ كمن في صهر قومية إقليم راخين بالبوذية، وتحول البوذية إلى رابطة قومية أيضاً، خصوصاً بعدما حل الاستعمار البريطاني المملكة.
لكن عسكر البلاد ساهموا إلى حدّ كبير في إذكاء المشاعر العصبية، خصوصاً برفع شعار «صوت واحد، عرق واحد، أمة واحدة». أما وزارة الهجرة البورمية أيام العسكر، فوضعت شعار «الأرض لن تبتلع إثنية لكن مجموعة أثنية أخرى ستفعل ذلك» على مدخلها. بالتالي فإنّ العسكر طرحوا أنفسهم باعثي أمة وليس بُناتها. كما أنّهم رفعوا شعارات «اسحقوا العناصر الهدامة الخارجية والداخلية كافة كونها عدواً مشتركاً»، في الوقت الذي يبين فيه أنّ المنطقة لم تشهد مشاكل قبل اعتماد البوذية ديانة رسمية. لكن بعد ذلك، استحال التعريف الإثني دينياً أيضاً، ما شجع على نمو مشاعر معادية للمسلمين الذين اتهموا بمحاولة القضاء على البوذية. فاسم الحركة المنادية بالاستقلال في البلاد كان «ما با ثا» (amyo, batha, thathana) وتعني «الجنس، اللغة، الدين». كما يقال الآن أن تكون بورمياً /منيمارياً، معناه أن تكون بوذياً.
والآن، يعيش نحو مليوني روهنجي في حال من الرعب، في مخيمات داخلية يحظر عليهم مغادرتها. وضعهم الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي مدمر، إذ يحظر عليهم إنجاب أكثر من ولدين وحتى تحصيل التعليم العالي. من تمكن منهم من الفرار إلى تايلندا، عمل العسكر هناك على إرسالهم في زوارق في وسط البحر ليموتوا غرقاً.
يحوي المؤلف معلومات كثيرة مهمة تساعد القارئ المهتم وحتى المتخصص في فهم ما يجري في تلك البلاد وما حولها.